| 0 التعليقات ]

الإعلان الأمريكي عن اصطياد رأس زعيم تنظيم القاعدة، أسامة بن لادن، ليس غريباً، فالطريقة المثيرة التي صاحبت الإعلان وكأنها تمت على يد "رامبو" أو "سوبر مان" تثير الكثير من الشكوك، فنبأ القتل في حد ذاته متوقع، لكن السيناريو الأمريكي يعيدنا لسيناريو القبض على الرئيس العراقي الراحل صدام حسين.. وما قيل حوله من حقائق أو أكاذيب.

بن لادن ليس شخصاً عادياً، ولكنه وطيلة أكثر من 15 عاماً، ظل المطلوب رقم 1 عالمياً، والحديث عن خيانة في الحلقة الضيقة والمقربة جداً من الرجل يبدو أقرب إلى الصحة منه إلى عملية رامبو في إسلام أباد، والتي قيل إن عناصر القوات الخاصة التابعة للبحرية "سيلز" SEALs قامت بتنفيذها بعد تدريبات عدة، يطابق تماماً أحاديث الوشاية التي أوقعت بصدام حسين قبل ثماني سنوات.




الرجلان كانا في مقدمة لائحة المطلوبين أمريكياً، لم الولايات المتحدة تعاملت مع كل منهما بطريقة مختلفة، فأمريكا/بوش اعتقلت صدام وأظهرته للعالم في حالة مزرية ومهينة، حُوكم الرجل، وفي جلسات علنية بدت وكأنها تصرّ من خلال الحكومة العراقية، على استنفاد أو امتصاص كل ملامح الكاريزما الشخصية، وحتى في لقطات إعدامه فشلت في محو هذه الكاريزما، بالضبط كما فشلت تماماً في مشهد الإعدام وليكسب الرجل في لحظاته الأخيرة وهو يصعد الدرج إلى حبل المشنقة إعجاب كثيرين اختلفوا معه أو أيّدوه.

وفي النهاية، كان هناك جثمان، وقبرٌ.. ترحّم عليه من ترحّم.. ولعنه من لعن!

لكن أمريكا/أوباما.. اكتفت ببلاغ النعي الوحيد في حالة أسامة بن لادن، وبدت لغة التشفّي هي المسيطرة، سواء قصاصاً للضحايا الذين سقطوا في أحداث سبتمبر 2001، أو بإظهار القدرة على الثأر ولو بعد حين، وهذه المرّة من غير جثة، وليكن الحديث عن تجهيزه ودفنه في البحر "حسب الشريعة الإسلامية" وفق قول البيت البيض، لغزاً لا تبرره الرغبة الأمريكية في أن لا يكون للرجل قبر، خوفاً من أن يصبح مزاراً لمريديه.. لتكون العملية كلها غامضة.

فالبيت الأبيض، الذي اعترف بأن الأوامر كانت واضحة بقتل الرجل لا اعتقاله، تخالف أبسط قواعد المنطق، لأنه لا يمكن بأي حال من الأحوال، أن يكون في أيدينا صيد ثمين كرأس تنظيم القاعدة، ولا يتم استغلاله تماماً والحصول منه على كل المعلومات عن التنظيم والتمويل والفروع والإمكانيات، ويتم التفريط فيه بهذه السهولة، عبر رصاصة في الرأس.. ليضفي هذا التصريح لغزاً إضافياً حول الحقيقة الغائبة.. إذ ليس من المعقول أن تتخلى الولايات المتحدة التي رصدت 25 مليون دولار لرأس الرجل حيّاً أو ميتاً، وتكتفي بإعلان مقتله، دون أن تظهر مشهداً واحداً لا لمعركة قتله، أو لاستجوابه، أو لقتله؟

أقول هذا وأنا أدرك تماماً أن الرجل قُتل فعلاً، وأن رئيس أقوى دولة في العالم ما كان ليقبل أن يظهر على الهواء ليعلن بنفسه النبأ دون أن يكون قد حدث، ولتتحمل الولايات المتحدة تبعة هذا الإعلان من عمليات انتقامية محتملة، لتنظيم لن يسكت بالطبع على اغتيال زعيمه.

ومع ذلك، فإن التساؤل عن الخوف الأمريكي من أسامة بن لادن وهو ميّت، مثل رعبها منه وهو حيّ، يبقى مشروعاً، خاصة في ظل حالة الغموض التي شابت عملية التخلص من بن لادن، ولن يكون إجابة عن السبب في استعجال مراسم دفنه في البحر من على ظهر حاملة طائرات أمريكية في شمال بحر العرب، والتخلص من الجثة.. دون حتى صورة واحدة على الأقل مثل تلك الصور التي بثتها القوات الأمريكية لمشاهد جثماني ابني صدام، عدي وقصي، تأكيداً لمصداقيتها.

المثير أيضاً، هو ما سرّبته أقوال استخباراية من شكوك في الرواية الأمريكية التي لا بديل عنها سوى بيان لبن لادن نفسه، وهذا مستبعد، وكيفية سرعة التأكد من الفريسة، فالعملية تمت عند الساعة 4.30 فجراً بتوقيت غرينيتش، أي 7.30 من صباح الاثنين بتوقيت مكة المكرمة، وانتهت عند 8.10 دقائق على اعتبار أنها استغرقت عدة ساعات حسب الرواية الباكستانية، و40 دقيقة حسب الرواية الأمريكية، التي اعترفت بأنها احتفظت بالجثمان، وفي رواية أخرى نقلته إلى واشنطن لإجراء تحاليل الـDNA التي عادة لا تستغرق أقل من 24 ساعة، ولو اعتمدنا فرضية نقل الجثمان للأراضي الأمريكية، أو الاحتفاظ بها في مكان ما في باكستان، فإن ذلك سيستغرق ما لا يقل عن 7 ساعات، وإذا أخذنا في الاعتبار أيضاً رواية إعادة الجثمان لدفنه في بحر العرب، فإننا سنكون على الأقل أمام ما لا يقل عن 38 ساعة، فكيف لنا أن نفهم التوفيق بين أوقات الاغتيال والنقل والتحاليل والدفن في البحر في أقل من 12 ساعة، وهو ما ينسف مصداقية الرواية الأمريكية بالكامل.

أمريكا إذاً، أمام رواية أخرى، ربما تكون سرّية للغاية، ومبهمة، تعيدنا لنفس ما سبق من روايات عن ملابسات اعتقال صدام حسين.. وملخص هذه الرواية، حسب خبير استخباراتي، أنه لا عملية عسكرية ولا يحزنون، وأن بن لادن، توفي في ظروف غامضة، ربما قبل أشهر أو أسابيع، وأن الولايات المتحدة ربما تكتمت على الخبر بعد أن علمت به أخيراً، ولكي تضفي على نفسها صفة البطولة سار السيناريو بنفس الطريقة التي أعلن عنها.. لاستغلالها سياسياً في سباق الانتخابات الرئاسية المقبلة، والتي قال مسؤولون أمريكيون أنفسهم إن هذه العملية نفسها، والإعلان عنها بمثل هذه الطريقة، قد ضمن للرئيس أوباما 4 سنوات أخرى جديدة على مقعد الكرسي الأبيض.
...............

نعود إلى السؤال، لماذا قتل بن لادن وليس أسره؟
هل تعيدنا الإجابة لنبوءة بن لادن نفسه، والتي قال فيها إنه لن يسقط في أسر الأمريكيين؟ وربما هذا يكشف سر الرصاصة في الوجه، والتي قضت عليه، والتي قيل إنها من أحد حراسه.. سائقه اليمني السابق، كشف عن وصية له، بأن يقتله إذا أحس أنه سيسقط في أيدي أعدائه.. أم أن أمريكا بجلالة قدرها، لا تستطيع تحمل اعتقاله أو القبض عليه حيّاً؟

عموماً..
بغض النظر عن صحة موت بن لادن بهذه الطريقة السينمائية، أو تلك، إلا أن الشكوك الأمريكية نفسها خاصة في ما يتعلق بدفن الجثة، والتخلص منها، بهذه الكيفية بالذات، لاتزال محل نظر، ويبقى ما قاله خبير أمريكي مشروعاً، خاصة أنه قال إن الإعلان عن سرعة التخلص من الجثة يثير الريبة، ولا يكفي أبداً التعذر بالخوف من تحوّل قبره إلى "معبد" إلى إخفاء الجثة تماماً وجعلها طعاماً لأسماك البحر.
وبعيداً عن نظرية المؤامرة، أو أوهامها..
..أي بحر؟ بحر العرب؟
ولماذا بحر العرب تحديداً؟ ولماذا لم يكن المحيط الهندي، أو الأطلسي، أو الهادي؟
أم أنها رسالة أخرى للعرب؟
ها هي بضاعتكم وقد رُدّت إليكم..
ها هو عربي آخر، تأكله أسماك العرب وفي بحر العرب؟
أليست مفارقة أخرى تستحق التأمل.. وسؤال ينتظر فهم مغزاه أو مقصده؟

0 التعليقات

إرسال تعليق