| 0 التعليقات ]



طالعتنا منذ بداية الثورة دعوات عديدة من مختلف الجهات للقصاص من فادية حمدي تلك المرأة عون التراتيب التي زُعم أنها صفعت المرحوم البوعزيزي الشيء الذي حزّ في نفسه فانتحر حرقا.. هذه المواطنة التونسية تم إيقافها منذ أشهر ولم توجّه لها حتى الآن أي تهمة ممّا اضطرها للدخول في إضراب جوع احتجاجا على الظّلم المسلّط عليها…




 

الشعب يُصدّق رواية واحدة.. فادية رمز للفساد الإداري في تونس حاربت البائع المتجول في رزقه وأرادت افتكاك عربته والميزان لأنه مخالف للقوانين وصفعته فثار لكرامته وأمام الأبواب الموصدة أحرق نفسه واشتعلت البلاد.. ولكن من حق فادية تقديم روايتها أيضا للقضاء وجلب شهود يؤيدونها فهي وكما قالت لم تكن ردّة فعلها سوى ثأر لكرامتها التي بعثرتها كلمات البوعزيزي الخادشة لحيائها كامرأة وهي رواية معقولة جدا.. 

هذه السيّدة دفعت هي وعائلتها ثمنا باهظا لا يستطيع أحد دفعه.. ويحاسبها الجميع وكأنها هي من أعطت الأوامر للقناصة ومن أسقطت الشهداء.. كأنها هي من استولى على الأموال العامة وقامت باغتصاب الأراضي والعقارات وعاثت في البلاد فسادا طيلة عقود.. ووضعت في نفس كفة الميزان هي وسيدة تونس الأولى سابقا.. تخيلوا معي هذا السيناريو فادية موظفة تونسية تعاني الأمرين من الوظيفة تعمل طول اليوم وسط سخط ولعنات الباعة وغيرهم وتتقاضى ملاليم لها مشاكل عائلية لا حصر لها ذات يوم وبينما كانت تقوم بوظيفتها المعتادة تطاول عليها أحد الباعة وأسمعها كلاما يخدش الحياء أو قام بسبّها أو ما شابه ذلك وهذا شيء متوقع ففي نظره هي تريد مصادرة مصدر رزقه ومن وجهة نظرها هي تقوم بعملها.. غضبت عون التراتيب وأصابتها هستيرية "أنا نخدم نهار وطوله لا يزينيش همّ الدار وهمّ الخدمة يزيد الي يسوى والي ما يسواش يسمعني ما نكره يلعن هالعيشة" وانتحرت حرقا ماذا سيكون مصير البوعزيزي هل سيطالب بمحاكمته هل سيطالب بإعدامه هل تلتصق تهمة العار بأهله.. لا أعتقد ..

فمن الظلم أن تعاقب فادية على جرائم أكبر حجما منها لم ترتكبها.. 

ومن الظلم أن تختزل سنوات النضال علنا وسرّا.. في حادثة انتحار فردية..ومن الظلم أن ننسى كل الذين قبعوا في دهاليز الداخلية وتلقوا ألوانا من العذاب والذين حوربوا في رزقهم ونفوا للخارج لأنهم انتموا للمعارضة ولا نخلد إلا اسم البوعزيزي.. من الظلم أن ننسى تضحيات من قهروا الخوف في سيدي بوزيد والقصرين وقفصة وصفاقس وكامل الولايات إلى أن بلغ السيل العاصمة و ننسب الثورة لرجل واحد.. ومن الظلم أن تمنح عائلة البوعزيزي الملايين والمجد والشهرة ولا يمنح من تعذبوا ل23 سنة وأكثر ومن سقطوا برصاص أعوان الداخلية الشهداء الأصليين إلا ملاليم وابتسامات صفراء..

واخشى ما أخشاه أن يفيق أبناء شعبي الذين تعودوا على التأليه وتقديس الأساطير على كابوس..

0 التعليقات

إرسال تعليق