خلال شهر أكتوبر 1957 عاد زين العابدين بن علي إلى تونس برتبة ملازم وتمّ تعيينه بأركان الحرب وظل كأعزب يقطن ببناية قريبة من وزارة الدفاع مخصصة للضباط الشبان.
كان خجولا وقليل الكلام وعبوسا وحذرا، لم يبحث أبدا عن الترويح عن نفسه وظل يرفض مصاحبة رفاقه لأيّ مكان بالعاصمة.
وفي يوم من الأيّام مازحه اثنان من زملائه واقترحا عليه الزواج قائلين له: «لا بدّ لك من فتاة سليلة شخصية مرموقة تجعلك قادرا على التسلّق السريع لسلّم القيادة» وتكرّر هذا المزاح وبلغ أشدّه عندما اقترحوا عليه طلب يد ابنة رئيسه في العمل، لكن الهدوء الذي يتّسم به بن علي جعله لا يحرّك ساكنا إزاء هذا الكلام لكن ليس لمدة طويلة حيث تجرّأ رفيقاه وطلبا لقاء القائد الأعلى خصوصا وأنه قد طلب من الضابط الشاب إعطاء دروس خصوصية لصبيّه الهديلي.
وما أن قابلاه حتى أعلماه أنهما قد كلّفا من الملازم بن علي بمهمة جس النبض لطلب يد كريمته.
ويعرف عن القائد محمد الكافي صدقه وبساطته ممّا جعله يعرب عن موافقته على هذا العرض دون تردّد وقبل بن علي العرض بعد أن وجد نفسه أمام الأمر الواقع كما أن ذلك كان شرفا له.
وتمّ الاحتفال بسرعة بخطوبة بن علي على ابنة الكافي وكان ذلك أول عقد قران يعقد ببلدية حمام سوسة حسب القانون الجديد لـ1 أوت 1957 المنظم للحالة المدنية وتولى إبرام العقد رئيس بلدية حمام سوسة بحضور عديد المدعوين من الشخصيات منهم والي سوسة وممثل كاتب الدولة للدفاع الوطني. (جريدة لابراس نشرت تقريرا طويلا عن هذا الحدث).
وأهدى بن علي لخطيبته عديد الهدايا التي تليق آنذاك بمستوى أصهاره ودفع مقابل ذلك كمبيالات استخلصها بعد عدة سنوات من التأخير تاركا لدى الصائغين وبائعي الأقمشة سمعة مستخلص سيء.
وتم الزواج يوم 19 جويلية 1961 في تلك الليلة كانت معركة بنزرت على أشدّها وبينما كان بن علي ينعم بفرحة الزواج غير عابئ بواجباته العليا كانت القوات الفرنسية تطلق أسلحتها البرية والجوية على وحدات متفرقة من شباب الجيش الوطني التونسي وأيضا على مئات الشبان المجاهدين الذين أتوا من كل الجهات لإبراز عزمهم على تخليص البلاد من كل حضور عسكري أجنبي.
وعيّن الجنرال الكافي صهره بن علي على رأس المصلحة الأمنية العسكرية بعد طرده للقائد بن لانوا.
هذا المنصب الجديد مخصص عادة لضابط ذي كفاءة وتجربة في حين أن بن علي كان شابا آنذاك ولا يتوفر على تجربة فضلا عن مستواه التعليمي الضعيف.
ولهذه المصلحة مهمّة مضاعفة وهما البحث عن المستوى العملي للأسلحة التي يفترض أن تكون بحوزة العدو ومعرفة المستوى التكنولوجي للتسلّح في العالم أي كل الأسرار الصناعية لمصانع الأسلحة للإتصالات السلكية واللاسلكية للعلاجات الطبية.
كل هذا يتطلب توفّر عديد الشبكات المختصة وميزانية محترمة داخل هذه الوحدة التي توازي وكالة الاستخبارات الأمريكية او الموساد، لكن لم يكن بمقدور بن علي او صهره تأمين عمل مثل هذه الوكالات. الاهتمام كان يركز بدرجة اولى على الاستعلامات الداخلية: البحث عن المعلومة داخل وحدات الجيش نفسها، ما اذا كان هذا الضابط قد شرب كأسا اضافية بمكان معين او انه نام مع فتاة في نزل ما، او انه عبّر عن رأيه حول رؤسائه في العمل خلال نقاش ما او انه تحدث حول النظام السياسي..
هكذا كان بن علي يعدّ نشرة يومية مقرفة لفائدة الوزير من جهة وقائد أركان الحرب من جهة اخرى.
وكان السيد الباهي الأدغم كاتب الدولة للدفاع الوطني يبرز استغرابه ثم غضبه لدى قراءته لهذه النشرات اليومية في الوقت الذي كان فيه رئيس ديوانه حبيب عمار يبتهج بها ويعتبرها وليمته الصباحية.
وكان المستوى الثقافى للرجلين مختلفا وخال من اي نقاط مشتركة فالمنصب الهام الذي يشغله حبيب عمار آنذاك لم يكن بسبب قيمة مؤهلاته وانما بصفته زوجا لنائلة بن عمار منذ 1956 وهي اخت وسيلة بن عمار الملقبة بـ«الماجدة» وكان جنديا عاديا في عسكر الباي في الثلاثينات ويتميز بوسامته، فتن بالفنانة الشابة انذاك شافية رشدي التي انجبت منه بنتا وعاش طيلة سنوات من مالها.
يتركب اركان الحرب أساسا من عنصرين من المنقولين منهم القادمين من الجيش الفرنسي اي عسكر الباي وكان الصنف الاول من القادمين يمثل الأغلبية وهو يتركب اساسا من الفوج الثامن والرابع للمشاة وتم تركيز كلّ من هذين العنصرين تحت ادارة عقيد وتركبت القاعدة العسكرية من القوات وبعض ضباط الصف لانتداب متطوعين تونسيين اي شبان غير متعلمين هدفهم التخلص من البطالة والبؤس والجوع لذلك اختاروا هذا الطريق.
وفي سنة 1956 عندما أصبح بورقيبة أول رئيس للجمهورية التونسية استعاد هذه القوات وكوّن بها اول نواة للجيش التونسي وكان في اعتقاده ان جيشا يتركب من الاميين لا يمكن ان تكون له اي ميولات ثورية، حيث اجاب الباهي الادغم احد الصحفيين ذات يوم عندما سأله عن اسباب هذا الاختيار بقوله «انها مصلحتنا الامنية».
وينتمي محمد الكافي للفوج الرابع للمشاة هو ابن احد فرسان «جلاص» وقد صعد من رتبة الى اخرى داخل الفوج وفي 1955 دعاه الحزب الدستوري الجديد كمستشار بهدف ضرب اليوسفيين وهم من الموالين لصالح بن يوسف المتمرد ضد بورقيبة. وقد نال الكافي الرضا التام بعد لجوئه إلى الجبال في الوسط والجنوب، وتمت ترقيته الى رتبة القائد العام للجيش في 1955 وتجدر الإشارة إلى أن رداءة الإمكانيات المعرفية لبن علي إبان دخوله للجيش كانت اكبر بكثير من تلك التي يتوفر عليها رئيسه الجديد وحتى أكثر رداءة من كل الضباط المحوّلين الذين كانوا يخافون من ان يدرجهم بن علي في نشراته اليومية. وكان بن علي ينتقل من وقت الى آخر لزيارة عائلته ويساعدهم على قدر امكانياته، وبعد زواجه اصبحت هذه الزيارات متباعدة الى ان توقفت كليا.
وأصبح والده هو من يقوم بزيارته اذ يأتي والده الشيخ «سيدي علي بن علي» مرة في الشهر الى الفيلا الموجودة بجهة باردو مرتديا مظلته السعفية واسعة الأطراف وقميصه الرمادي الطويل وحذاءه الصيفي الكبير ولم تكن نعيمة تستقبل حماها في غياب زوجها وكانت تطلب منه انتظار ابنه على عتبة الباب الخارجي، وعندما يكون بن علي موجودا كان يدخل والده لدهليز البيت وبعد ان يتبادل معه الحديث قليلا ويضع له بعض الدنانير في جيبه يتركه.
وعندما شعر علي بن علي ببرودة كنّته تجاهه أصبح يزور ابنه بمكتبه وكان يستقبل ببرودة كبرى ولا يتجاوز اللقاء بضعة دقائق.
وفي اواسط الستينات امر بن علي والده بعدم إزعاجه مجددا، في ذلك اليوم رأى العديد من الشهود شيخا ذو قامة ضخمة ينزل الطوابق الخمس للبناية مترنحا والدموع منهمرة من عينيه في حين كان بن علي حنونا مع والدته ويحبّها وهي لم تغادر بتاتا قريتها.
كان خجولا وقليل الكلام وعبوسا وحذرا، لم يبحث أبدا عن الترويح عن نفسه وظل يرفض مصاحبة رفاقه لأيّ مكان بالعاصمة.
وفي يوم من الأيّام مازحه اثنان من زملائه واقترحا عليه الزواج قائلين له: «لا بدّ لك من فتاة سليلة شخصية مرموقة تجعلك قادرا على التسلّق السريع لسلّم القيادة» وتكرّر هذا المزاح وبلغ أشدّه عندما اقترحوا عليه طلب يد ابنة رئيسه في العمل، لكن الهدوء الذي يتّسم به بن علي جعله لا يحرّك ساكنا إزاء هذا الكلام لكن ليس لمدة طويلة حيث تجرّأ رفيقاه وطلبا لقاء القائد الأعلى خصوصا وأنه قد طلب من الضابط الشاب إعطاء دروس خصوصية لصبيّه الهديلي.
وما أن قابلاه حتى أعلماه أنهما قد كلّفا من الملازم بن علي بمهمة جس النبض لطلب يد كريمته.
ويعرف عن القائد محمد الكافي صدقه وبساطته ممّا جعله يعرب عن موافقته على هذا العرض دون تردّد وقبل بن علي العرض بعد أن وجد نفسه أمام الأمر الواقع كما أن ذلك كان شرفا له.
وتمّ الاحتفال بسرعة بخطوبة بن علي على ابنة الكافي وكان ذلك أول عقد قران يعقد ببلدية حمام سوسة حسب القانون الجديد لـ1 أوت 1957 المنظم للحالة المدنية وتولى إبرام العقد رئيس بلدية حمام سوسة بحضور عديد المدعوين من الشخصيات منهم والي سوسة وممثل كاتب الدولة للدفاع الوطني. (جريدة لابراس نشرت تقريرا طويلا عن هذا الحدث).
وأهدى بن علي لخطيبته عديد الهدايا التي تليق آنذاك بمستوى أصهاره ودفع مقابل ذلك كمبيالات استخلصها بعد عدة سنوات من التأخير تاركا لدى الصائغين وبائعي الأقمشة سمعة مستخلص سيء.
وتم الزواج يوم 19 جويلية 1961 في تلك الليلة كانت معركة بنزرت على أشدّها وبينما كان بن علي ينعم بفرحة الزواج غير عابئ بواجباته العليا كانت القوات الفرنسية تطلق أسلحتها البرية والجوية على وحدات متفرقة من شباب الجيش الوطني التونسي وأيضا على مئات الشبان المجاهدين الذين أتوا من كل الجهات لإبراز عزمهم على تخليص البلاد من كل حضور عسكري أجنبي.
وعيّن الجنرال الكافي صهره بن علي على رأس المصلحة الأمنية العسكرية بعد طرده للقائد بن لانوا.
هذا المنصب الجديد مخصص عادة لضابط ذي كفاءة وتجربة في حين أن بن علي كان شابا آنذاك ولا يتوفر على تجربة فضلا عن مستواه التعليمي الضعيف.
ولهذه المصلحة مهمّة مضاعفة وهما البحث عن المستوى العملي للأسلحة التي يفترض أن تكون بحوزة العدو ومعرفة المستوى التكنولوجي للتسلّح في العالم أي كل الأسرار الصناعية لمصانع الأسلحة للإتصالات السلكية واللاسلكية للعلاجات الطبية.
كل هذا يتطلب توفّر عديد الشبكات المختصة وميزانية محترمة داخل هذه الوحدة التي توازي وكالة الاستخبارات الأمريكية او الموساد، لكن لم يكن بمقدور بن علي او صهره تأمين عمل مثل هذه الوكالات. الاهتمام كان يركز بدرجة اولى على الاستعلامات الداخلية: البحث عن المعلومة داخل وحدات الجيش نفسها، ما اذا كان هذا الضابط قد شرب كأسا اضافية بمكان معين او انه نام مع فتاة في نزل ما، او انه عبّر عن رأيه حول رؤسائه في العمل خلال نقاش ما او انه تحدث حول النظام السياسي..
هكذا كان بن علي يعدّ نشرة يومية مقرفة لفائدة الوزير من جهة وقائد أركان الحرب من جهة اخرى.
وكان السيد الباهي الأدغم كاتب الدولة للدفاع الوطني يبرز استغرابه ثم غضبه لدى قراءته لهذه النشرات اليومية في الوقت الذي كان فيه رئيس ديوانه حبيب عمار يبتهج بها ويعتبرها وليمته الصباحية.
وكان المستوى الثقافى للرجلين مختلفا وخال من اي نقاط مشتركة فالمنصب الهام الذي يشغله حبيب عمار آنذاك لم يكن بسبب قيمة مؤهلاته وانما بصفته زوجا لنائلة بن عمار منذ 1956 وهي اخت وسيلة بن عمار الملقبة بـ«الماجدة» وكان جنديا عاديا في عسكر الباي في الثلاثينات ويتميز بوسامته، فتن بالفنانة الشابة انذاك شافية رشدي التي انجبت منه بنتا وعاش طيلة سنوات من مالها.
يتركب اركان الحرب أساسا من عنصرين من المنقولين منهم القادمين من الجيش الفرنسي اي عسكر الباي وكان الصنف الاول من القادمين يمثل الأغلبية وهو يتركب اساسا من الفوج الثامن والرابع للمشاة وتم تركيز كلّ من هذين العنصرين تحت ادارة عقيد وتركبت القاعدة العسكرية من القوات وبعض ضباط الصف لانتداب متطوعين تونسيين اي شبان غير متعلمين هدفهم التخلص من البطالة والبؤس والجوع لذلك اختاروا هذا الطريق.
وفي سنة 1956 عندما أصبح بورقيبة أول رئيس للجمهورية التونسية استعاد هذه القوات وكوّن بها اول نواة للجيش التونسي وكان في اعتقاده ان جيشا يتركب من الاميين لا يمكن ان تكون له اي ميولات ثورية، حيث اجاب الباهي الادغم احد الصحفيين ذات يوم عندما سأله عن اسباب هذا الاختيار بقوله «انها مصلحتنا الامنية».
وينتمي محمد الكافي للفوج الرابع للمشاة هو ابن احد فرسان «جلاص» وقد صعد من رتبة الى اخرى داخل الفوج وفي 1955 دعاه الحزب الدستوري الجديد كمستشار بهدف ضرب اليوسفيين وهم من الموالين لصالح بن يوسف المتمرد ضد بورقيبة. وقد نال الكافي الرضا التام بعد لجوئه إلى الجبال في الوسط والجنوب، وتمت ترقيته الى رتبة القائد العام للجيش في 1955 وتجدر الإشارة إلى أن رداءة الإمكانيات المعرفية لبن علي إبان دخوله للجيش كانت اكبر بكثير من تلك التي يتوفر عليها رئيسه الجديد وحتى أكثر رداءة من كل الضباط المحوّلين الذين كانوا يخافون من ان يدرجهم بن علي في نشراته اليومية. وكان بن علي ينتقل من وقت الى آخر لزيارة عائلته ويساعدهم على قدر امكانياته، وبعد زواجه اصبحت هذه الزيارات متباعدة الى ان توقفت كليا.
وأصبح والده هو من يقوم بزيارته اذ يأتي والده الشيخ «سيدي علي بن علي» مرة في الشهر الى الفيلا الموجودة بجهة باردو مرتديا مظلته السعفية واسعة الأطراف وقميصه الرمادي الطويل وحذاءه الصيفي الكبير ولم تكن نعيمة تستقبل حماها في غياب زوجها وكانت تطلب منه انتظار ابنه على عتبة الباب الخارجي، وعندما يكون بن علي موجودا كان يدخل والده لدهليز البيت وبعد ان يتبادل معه الحديث قليلا ويضع له بعض الدنانير في جيبه يتركه.
وعندما شعر علي بن علي ببرودة كنّته تجاهه أصبح يزور ابنه بمكتبه وكان يستقبل ببرودة كبرى ولا يتجاوز اللقاء بضعة دقائق.
وفي اواسط الستينات امر بن علي والده بعدم إزعاجه مجددا، في ذلك اليوم رأى العديد من الشهود شيخا ذو قامة ضخمة ينزل الطوابق الخمس للبناية مترنحا والدموع منهمرة من عينيه في حين كان بن علي حنونا مع والدته ويحبّها وهي لم تغادر بتاتا قريتها.
0 التعليقات
إرسال تعليق