| 0 التعليقات ]

الرواية الاميركية‮ : ‬صدّام نُقل في‮ ‬سرية تامة الى واشنطن مخدّراً‮ ‬بجرعات من إنتاج اسرائيلي
بوش أراده مكبّلاً‮ ‬داخل قفص حديدي‮ ‬ليقول للعالم‮ : ‬هذا هو الشخص الذي‮ ‬ح




تنشر الديار مقتطفات من كتاب‮: ‬صدام حسين من الزنزانة الاميركية‮: ‬هذا ما حدث‮ ! ‬من تأليف المحامي‮ ‬خليل الدليمي‮ ‬الذي‮ ‬رافقه طيلة فترة الاسر التي‮ ‬سبقت اعدامه،‮ ‬فكان الدليمي‮ ‬المحامي‮ ‬وامين السرّ‮ ‬والابن لصدام الذي‮ ‬خصّه برسائل المحبة والتقدير وتضمنت وبعضها قصائد اعجاب بالمحامي‮ ‬الذي‮ ‬ناضل وقاوم كل المحاولات لمنعه من اتمام مرافعاته‮.‬
ففي‮ ‬حلقة اليوم نستعرض الروايتين الاميركية ولصدام حسين حول اعتقاله،‮ ‬ففي‮ ‬الاولى حاول الاميركيون اظهار اعتقاله بطريقة الهارب المختبئ،‮ ‬فيما الثانية‮ ‬يستعرض فيها الرئيس العراقي‮ ‬الاسباب الحقيقية التي‮ ‬اوصلت القوات الاميركية الى اعتقاله،‮ ‬كما انه‮ ‬يكشف الخيانة التي‮ ‬تعرّض لها والشكوك التي‮ ‬رافقته خلال الايام القليلة التي‮ ‬سبقت اعتقاله‮.‬
اثارت مسرحية القبض على الرئيس،‮ ‬كما عرضتها القنوات الفضائية وبصورة متكررة،‮ ‬الكثير من الجدل والتساؤل والنقاش حول مدى صحة هذه الصور،‮ ‬بين رافض التصديق قائلا‮: ‬انها بالتأكيد خيانة او ان الذي‮ ‬قبض عليه هو الشبيه،‮ ‬وبين شامت اعجبه اخراج هوليوود لهذها لمسرحية الهزيلة‮. ‬ترى هل ما حدث للعراق لم‮ ‬يكن الا من انتاج واخراج صانع افلام الكاوبوي‮ ‬الاميركية؟
قلت للرئيس‮: ‬سيدي،‮ ‬هل تود ان تسمع الرواية الاميركية حول قصة اعتقالك والمسماة بـ‮ (‬الفجر الاحمر‮) ‬؟ ضحك وقال‮: »‬هات ما عندك‮« ‬قلت‮: ‬تقول الرواية الاميركية ما‮ ‬يأتي‮:‬



الرواية الاميركية
اصدر بول بريمر اوامره لاعضاء مجلس الحكم باغلاق مكاتب قناة العربية في‮ ‬بغداد اثر بثها خلال شهر رمضان من عام‮ ‬2003،‮ ‬اخر رسالة للرئيس صدام حسين‮ (‬قبل الاسر‮)‬،‮ ‬وذلك‮ ‬عقابا لها على بث هذا الشريط الذي‮ ‬اعاد صدام حسين الى دائرة الاضواء‮. ‬وتقول الرواية الاميركية ان مقتل عدّي‮ ‬وقصيّ،‮ ‬ومصطفى كان صدمة لصدام حسين،‮ ‬اذ لم‮ ‬يصدق ما جرى،‮ ‬وكان‮ ‬يظن ان قراره بابعادهم عنه قد‮ ‬يضمن حياتهم‮. ‬لكن الرجل الذي‮ ‬ظن صدام حسين انه سيحميهم وشى بهم‮. ‬وقتل الثلاثة في‮ ‬معركة اثبتوا فيها صلابة منقطعة النظير‮.‬
كانت الخطة موضوعة تحت اشراف مباشر من الجنرال ريكاردو سانشيز،‮ ‬يعاونه في‮ ‬ذلك الجنرال راي‮ ‬اوديرنو،‮ ‬قائد فرقة المشاة الرابعة‮. ‬وتكون كالآتي‮:‬
سيحاول صدام حسين اللجوء الى عشيرته والى بلدته تكريت بالذات للاحتماء هناك،‮ ‬خاصة ان الكثيرين من افراد الحرس والمرافقين الشخصيين له،‮ ‬بدأوا‮ ‬يبتعدون عن مكانه بعد مقتل نجليه‮. ‬وكانوا‮ ‬يدركون انه مصمم على الاستمرار في‮ ‬مقاتلة الاميركان مهما كان الثمن‮.‬
كان الاميركان‮ ‬يولون اهتماما خاصا لفك لغز المخابئ السرية التي‮ ‬كانوا‮ ‬يعتقدون انها متواجدة تحت القصور الرئاسية‮. ‬وقد بذلوا جهودا مضنية لكشف اسرار تلك المخابئ،‮ ‬الا انهم فشلوا وكان الجنود الاميركيون من الفرقة الرابعة‮ ‬يقومون بتفتيش هذه القصور الرئاسية اكثر من مرة في‮ ‬اليوم تحسبا لوصول صدام حسين اليها في‮ ‬اي‮ ‬وقت محتمل،‮ ‬وعدد هذه القصور‮ ‬يربو على عشرين قصرا،‮ ‬كان اكثرها اهمية تلك التي‮ ‬تقارب نهر دجلة‮.‬
امام الصعاب التي‮ ‬واجهها الاميركيون،‮ ‬قام سيمون دارايز،‮ ‬احد اهم قيادات وكالة المخابرات المركزية الاميركية‮ (‬سي‮.‬آي‮.‬ايه‮) ‬في‮ ‬العراق،‮ ‬بوضع خطة بحث جديدة لاعتقال صدام حسين‮. ‬اذ كان‮ ‬يعتقد انه‮ ‬يتعمد المرور في‮ ‬المخابئ السرية لهذه القصور لعلمه ان القوات الاميركية تفرض حصارا من السياج الامني‮ ‬عليها‮ (‬من الخارج‮)‬،‮ ‬وان افراد حرسه الشخصي‮ ‬الذين ألقي‮ ‬القبض عليهم ادلوا بمعلومات تفصيلية عن تلك المخابئ،‮ ‬لكن صدام حسين ليس من الغباء لكي‮ ‬يستخدمها مرة ثانية،‮ ‬لا سيما انه معروف بالذكاء واجادة التمويه والتغطية على تحركاته،‮ ‬كما انه‮ ‬يعرف اكثر طبيعة الارض العراقية‮.‬
ذكر سيمون دارايز في‮ ‬تقريره الذي‮ ‬اعده في‮ ‬آب عام‮ ‬2003،‮ ‬ان الاماكن التي‮ ‬يمكن ان‮ ‬يتواجد فيها صدام حسين هي‮ ‬واحد من اثنين‮: ‬اما في‮ ‬منزل اسرة تسكن بعيدا عن بغداد،‮ ‬وله ثقة بها وهي‮ ‬قادرة على حمايته،‮ ‬او في‮ ‬منطقة مهجورة‮ ‬غير مأهولة بالسكان‮. ‬وقد‮ ‬يكون اعد لنفسه مخبأ في‮ ‬هذه المنطقة القريبة من عشيرته وبلدته تكريت‮. ‬ويرى دارايز ان صدام حسين لا‮ ‬يمكن له مغادرة العراق من خلال دراسة شخصيته التي‮ ‬لا تقبل بالهروب‮. ‬ورأى ضرورة التركيز على الحرس الشخصي‮ ‬والمرافقين الذين‮ ‬يعرفون بتحركاته في‮ ‬الفترة القادمة،‮ ‬بعد ان فشلت الخطة الأولى بالقبض عليه من خلال استجواب كبار معاونيه بعد اعتقالهم،‮ ‬وكذلك من خلال بعض شيوخ عشائر تكريت،‮ ‬وشيوخ عشائر المحافظات الأخرى،‮ ‬حيث ان الأغلبية لم تعرف مكان تواجده،‮ ‬او ان بعضهم‮ ‬يعتبر ان الوشاية بمكانه سيلحق العار بهم ويضعهم أمام مشاكل كبيرة‮. ‬فالخطة السابقة تقول ان البحث عن الكبار واعتقالهم بدعوى أنهم‮ ‬يعرفون مكانه،‮ ‬ويسيوشون،‮ ‬هي‮ ‬خطة فاشلة‮. ‬بينما الخطة الجديدة تقول ان‮ »‬الصيد الثمين‮« ‬يتأتى من حرسه الشخصي‮ ‬الذين رافقوه بعد احتلال بغداد‮.‬
كانت المؤشرات الأولية التي‮ ‬بدأت تتجمع في‮ ‬آب‮ ‬2003،‮ ‬تقول ان هناك اشخاصاً‮ ‬أكدوا انهم رأوه في‮ ‬شمال بغداد،‮ ‬تارة في‮ ‬تكريت وتارة في‮ ‬مناطق أخرى‮.‬
وهكذا أسهب الفريق الجديد لوكالة المخابرات الأميركية في‮ ‬العراق بقيادة سوارز كيفان بجمع المعلومات عن الأشخاص الذين‮ ‬يروون تفاصيل تحركات صدام حسين وكيفية مشاهدته والاشخاص الذين كانوا‮ ‬يحرسونه‮. ‬وكانت المخابرات الأميركية قد جمعت اكثر من مائة صورة لمائة شخص من حراسه السابقين والمرافقين له وأقرباءه‮. ‬وكانت هذه الصور تعرض على الأشخاص الذين‮ ‬يدلون بمعرفتهم اياه،‮ ‬ومدى قربهم منه‮. ‬وكان السؤال المطروح عليهم هو‮ »‬متى رأوا صدام‮« ‬؟ وكانت أكثر الأسئلة إلحاحاً‮ ‬تتعلق بالأشخاص الذين‮ ‬يقومون بحراسته ومرافقيه وأوصافهم والأماكن التي‮ ‬يتردّدون عليها‮.‬
كان‮ ‬يعاون وكالة المخابرات الأميركية في‮ ‬البحث عنه،‮ ‬فريق من الموساد الاسرائيلي‮ ‬المكوّن من عشرة أفراد بمن فيهم رئيس قسم العمليات والاستطلاع بجهاز الموساد‮.‬
وهكذا،‮ ‬وبعد تحقيقات مكثفة،‮ ‬وعرض صور الحراس على المقبوض عليهم،‮ ‬توصلت المخابرات الأميركية والاسرائيلية الى انه لم‮ ‬يبق الا على اثنين من حراسه‮.‬
وقد تطابقت الأوصاف التي‮ ‬أدلى بها هؤلاء عن الحراس مع رؤية بعض الاشخاص للرئيس في‮ ‬تكريت،‮ ‬وآخرين عن رؤيتهم لهم في‮ ‬الرملة وفي‮ ‬كركوك‮. ‬وتحدث آخرون عن ان هذين الحارسين كانا من أكثر الأشخاص الذين‮ ‬يثق بهم الرئيس صدام حسين‮.‬
تركزت التحقيقات بعد ذلك في‮ ‬معرفة كافة التفاصيل عن تحركات هذين الشخصين،‮ ‬وبدأ السعي‮ ‬الحثيث للقبض عليهما‮.‬
أدت المعلومات التي‮ ‬ساهم في‮ ‬جمعها كذلك أفراد من المخابرات العراقية،‮ ‬مع الفريق الأميركي‮ ‬والاسرائيلي،‮ ‬الى القبض على أحد المقرّبين من الرئيس في‮ ‬أواخر آب‮ ‬2003،‮ ‬ومارسوا عليه شتى أنواع التعذيب لمعرفة مكان الرئيس،‮ ‬الا انهم فشلوا في‮ ‬بادئ الأمر،‮ ‬ولكن بعد الضغوط النفسية والجسدية العنيفة لمدة ثمانية عشر‮ ‬يوماً‮ ‬متواصلة،‮ ‬اعترف هذا الشخص بأحد المخابئ المهمة في‮ ‬جنوبي‮ ‬بغداد‮. ‬وشكل اكتشاف هذا المخبأ نقطة جوهرية في‮ ‬مسار الخطة الأميركية التي‮ ‬التزمت بالسرية المطلقة‮. ‬وقد وجد هذا المخبأ في‮ ‬منطقة مهجورة ويشبه المخبأ الذي‮ ‬عثر فيه عليه لاحقاً‮. ‬كان هذا المخبأ داخل‮ ‬غرفة تؤدي‮ ‬الى حجرة عميقة،‮ ‬وكانت الحفرة التي‮ ‬تؤدي‮ ‬اليها الحجرة العميقة تبدو ضيقة كتلك التي‮ ‬زعموا أنهم وجدوه فيها‮.‬
بعد معاينة المكان الذي‮ ‬أحاطوه بالسرية المطلقة،‮ ‬والدخول والخروج منه بحذر شديد من دون المساس بمقتنياته البسيطة،‮ ‬أدرك الفريق الأميركي‮ ‬والاسرائيلي‮ ‬انهم قد اقتربوا من صدام حسين،‮ ‬وأحسوا بأنه‮ ‬يتحرك بذكاء شديد خلال زياراته لهذه المخابئ المهجورة‮. ‬واكتشفوا بأنه‮ ‬يضع علامات دقيقة سرية للتأكد في‮ ‬ما اذا قام أحد بالدخول الى المخبأ،‮ ‬اذ كان‮ ‬يعتقد ان الأميركيين سينصبون له كميناً‮ ‬في‮ ‬أحد المخابئ‮. ‬وقد أكد الشخص المقبوض عليه انه لا‮ ‬يعلم الا بثلاثة مخابئ وهي‮ ‬في‮ ‬الرملة وكركوك وجنوبي‮ ‬بغداد،‮ ‬وبالتالي‮ ‬فهو لا‮ ‬يعلم عن مخبأ الدور قرب تكريت الذي‮ ‬زعموا انهم وجدوه فيه في‮ ‬ما بعد‮.‬
تابع الفريقان بدقة وكثافة المخابئ الثلاثة التي‮ ‬أشار اليها قريب صدام حسين‮. ‬الا ان المتابعات اكدت بأنه لم‮ ‬يتردد عليها نهائياً،‮ ‬مما تأكد للقوات الأميركية ان هذه المواقع مهجورة،‮ ‬وان المعلومات التي‮ ‬أدلى بها قريبه‮ ‬غير دقيقة‮.‬
مقابل ذلك،‮ ‬كانت هناك وجهة نظر أخرى تشير لوجود مخابئ أخرى في‮ ‬مناطق متفرقة من العراق‮ ‬يستخدمها لتعذّر استخدام مخابئ القصور الرئاسية او المخابئ الشهيرة التي‮ ‬تتحمّل ضربات القنابل الأكثر شراسة،الجنرال آروس بيكومان،‮ ‬احد ابرز رجال فريق الاستخبارات الاسرائيلية،‮ ‬كان أول من أشار الى ضرورة البحث عن هذه المخابئ داخل تكريت والمناطق المهجورة حولها،‮ ‬وخاصة لدى أقرباء الرئيس‮. ‬فهذه المخابئ‮ ‬يحميها اشخاص‮ ‬يثق فيهم صدام حسين ويتحرك وسطهم بأمان‮.‬
كان التقرير الذي‮ ‬اعده آروس مثار بحث دقيق من قبل الاستخبارات الاميركية وقيادة الفرقة العسكرية الرابعة المكلفة بالبحث عنه‮. ‬وقد زودت هذه الفرقة بعناصر من الكوماندوز الاميركيين،‮ ‬يدعمهم اربعة من الطيارين الكوماندوز الاسرائيليين الذين سيكلفون باستخدام طائرات اميركية لضرب السيارات حال هروبها من موقع القتال في‮ ‬حالة ادارة معركة طويلة،‮ ‬وهذه العملية تشابه عمليات ضرب القيادات الفلسطينية اثناء تنقلهم في‮ ‬سياراتهم وذكر آروس في‮ ‬تقريره ان المكان الذي‮ ‬سيختبئ فيه صدام حسين لا‮ ‬يثير اية شكوك،‮ ‬وان الحراسة الامنية هي‮ ‬من اقربائه ومن المحيطين به،‮ ‬وتكون بعيدة عنه‮.‬
بناء على هذا التقرير،‮ ‬توجه الاميركيون الى اعتقال اقارب الرئيس وأصهاره والحراس القريبين منه‮. ‬كان واضحا ان الخطة الاميركية الجديدة ستقود حتما الى نتيجة هامة،‮ ‬ولذلك ظلت محصورة في‮ ‬بول بريمر والجنرال ريكاردو سانشيز وقائد الفرقة الرابعة والفريق الذي‮ ‬سيقوم بعملية التنفيذ‮.‬
بدأت القوات الاميركية في‮ ‬تنفيذ الخطة باعتقال اقاربه والحرس المنتمي‮ ‬الى تكريت بسرية تامة‮. ‬وكانت تمارس على المقبوض عليهم كل وسائل التعذيب النفسي‮ ‬والجسدي‮. ‬وقد اضطر عدد من الذين سقطوا من آثار التعذيب للتعاون مع الاميركان،‮ ‬وهم خمسة اشخاص،‮ ‬ثلاثة منهم من اقاربه وواحد من الحرس واخر من اصهاره‮.‬
كان أحد الأشخاص‮ ‬يمت اليه بصلة مباشرة‮. ‬وفي‮ ‬تلك الفترة،‮ ‬مرض احد اخوال صدام مرضاً‮ ‬شديداً،‮ ‬فقام صدام في‮ ‬مساء متأخر من احد الايام بزيارتين الى خاله،‮ ‬وكان‮ ‬يتحرك بثقة كبيرة حتى إنه اصطحب في‮ ‬الزيارة الثانية ابن خاله وعمره‮ (‬35‮ ‬عاما‮) ‬الى احد مخابئه،‮ ‬واعطاه مبلغ‮ ‬خمسة الاف دولار لاستكمال علاج والده‮.‬
قبض على هذا الابن في‮ ‬اليوم التالي‮. ‬ومورس عليه اقسى انواع التعذيب،‮ ‬واعترف في‮ ‬اليوم التالي،‮ ‬واصطحبهم الى احد المواقع المعينة،‮ ‬ثم اشار لمنزل مؤلف من طابقين وقال انه استلم المبلغ‮ ‬من الرئيس خارج هذا المنزل‮.‬
قامت القوات الاميركية بمداهمة المنزل،‮ ‬وفتشوه تفتيشا دقيقا لمدة ثلاثة ايام في‮ ‬تشرين الاول‮ ‬2003‮. ‬وانتهى الامر الى اكتشاف مخبأ مهم في‮ ‬هذا المنزل‮. ‬والمخبأ‮ ‬يشير الى وجود حفرة تؤدي‮ ‬الى حجرة تتسع لشخص‮. ‬وكانت هذه الحفرة مغطاة بالحشائش‮.‬‮ ‬وقد عثر رجال الفرقة الرابعة على آثار طعام حديثة تدل على ان صدام حسين اعتاد المجيء الى هذا المنزل‮.‬
تأكد للاميركيين والاسرائيليين بأن‮ »‬الصيد الثمين‮« ‬قد اقترب‮. ‬لذا نصبت عدة كمائن‮. ‬واستمرت المراقبة لمدة اسبوع من دون جدوى‮. ‬وهذا الانتظار خلق شكا عندهم ان صدام حسين ربما علم بالامر من خلال رجاله،‮ ‬وهو لا‮ ‬يعود الى موقع اكتشفه الاميركيون‮.‬
في‮ ‬اليوم الثامن،‮ ‬كانت المفاجأة عندما اقترب احد حراسه وهو من اقاربه،‮ ‬من المنزل‮. ‬ويبدو انه قد كلفه باستطلاع المنزل‮. ‬دخل هذا الشخص الى المنزل،‮ ‬وبعد تفقده‮ ‬غادره‮.‬
في‮ ‬هذه الاثناء،‮ ‬تصارع رأيان عند الفرقة الرابعة‮. ‬اما القبض على هذا الشخص واجباره على الاعتراف بمكان صدام حسين،‮ ‬او تتبعه لمعرفة المكان‮.‬
حسم الامر،‮ ‬والقي‮ ‬القبض على الشخص‮. ‬تعرّض للتعذيب بطرق فظيعة،‮ ‬انهار بعدها واعترف بأن الرئيس سيأتي‮ ‬الى هذا المكان بعد وقت قصير‮. ‬وقد ساعد الاميركان في‮ ‬تحديد المنطقة،‮ ‬الاجهزة الحديثة للاتصالات السلكية واللاسلكية من قبل الفرقة الرابعة‮. ‬ونشرت هذه الاجهزة على مساحة تقدر بأربعة كيلومترات حول المنطقة التي‮ ‬من الممكن ان‮ ‬يتواجد فيها الرئيس‮. ‬وكانت هذه الاجهزة قد استخدمت في‮ ‬وقت سابق في‮ ‬افغانستان،‮ ‬وحققت نجاحاً‮ ‬كبيراً‮ ‬اثرت على شبكة اتصالات تنظيم القاعدة التي‮ ‬اضطرت الى التخلي‮ ‬عن اتصالاتها سواء بالهاتف المحمول او الثابت‮.‬
وقد رصدت هذه الأجهزة اتصالاً‮ ‬خارجياً‮ ‬يعتقد أن صدام حسين قد أجراه مع زوجته سميرة الشابندر من هذا المكان،‮ ‬والذي‮ ‬حسم هذا الأمر بأنه صوت صدام حسين هو طارق عزيز‮ (‬محاولة الدسّ‮ ‬على الأستاذ طارق عزيز‮) ‬الذي‮ ‬كان‮ ‬يعرف الشخص الموجود على الطرف الآخر من الاتصال‮. ‬وقد استمر الاتصال لمدة عشر دقائق‮. ‬كان الرئيس على مقربة من المكان،‮ ‬ويبدو أنه شعر بالخطر،‮ ‬أو أنه شاهد بعض القوات الأميركية،‮ ‬فابتعد عن المنطقة بطريقة ذكية حين كان الاميركان على وشك القبض عليه‮. ‬وكان وزير الدفاع الأميركي‮ ‬دونالد رامسفيلد قد أعلن سابقاً‮ ‬بأن البحث عن صدام حسين هو كمن‮ ‬يبحث عن ابرة وسط كوم من القش‮. ‬اذ في‮ ‬كل مرة‮ ‬يقترب هذا الصيد الثمين،‮ ‬كان صدام حسين‮ ‬ينجو بأعجوبة‮.‬
يوم الجمعة في‮ ‬12‮ ‬كانون الاول‮ ‬2003،‮ ‬وفي‮ ‬بغداد وتحديداً‮ ‬في‮ ‬منطقة العرصات‮/ ‬الكرادة،‮ ‬لاحظت القوات الأميركية حركة‮ ‬غير اعتيادية في‮ ‬دار قريبة،‮ ‬فاقتحمت تلك الدار التي‮ ‬كانت بيت دعارة،‮ ‬واعتقل كل من كان فيها‮. ‬ولم تطلق رصاصة واحدة من الطرفين‮. ‬فتحت التحقيقات مع الجميع بعد اصطحابهم لأحد المواقع العسكرية الأميركية‮. ‬وتوقف رجال المخابرات عند احد الاشخاص ويدعى محمد إبراهيم المسلط الذي‮ ‬قال انه كان عقيداً‮ ‬في‮ ‬الجيش‮. ‬وبعد‮ ‬التدقيق في‮ ‬اجهزتهم الالكترونية،‮ ‬وجدوا تطابقاً‮ ‬في‮ ‬المعلومات بين اسمه والمعلومات المخزنة لديهم ما عدا عنوان العمل‮. ‬كان الأميركان‮ ‬يبحثون عن هذا العقيد للوصول الى‮ »‬الصيد الثمين‮«. ‬فقاموا باجراء تحقيق‮ (‬خاص‮) ‬معه من دون ذكر نوع هذا التحقيق وخاصيته‮. ‬وقد أكد لهم ان صدام حسين موجود في‮ ‬مكانين في‮ ‬قضاء الدور الذي‮ ‬يبعد مسافة‮ ‬180‮ ‬كلم شمال‮ ‬غرب بغداد‮. ‬وعلى الفور،‮ ‬جرى الاتصال بقائد الفرقة الأميركية المكلفة بالمطاردة،‮ ‬الكولونيل جيمس هيكلي،‮ ‬ووضعت الاستعدادات القصوى تحسباً‮ ‬لأية عملية من قبل المقاومة‮. ‬وقد نقل العقيد إلى تكريت بطائرة عسكرية،‮ ‬حيث اخضعته شعبة المخابرات الأميركية والاسرائىلية الى تحقيق‮ (‬خاص‮) ‬اعترف اثره بكل ما لديه من معلومات‮.‬
عصر‮ ‬يوم الجمعة في‮ ‬12‮/‬12‮/‬2003،‮ ‬وفي‮ ‬الساعة الثالثة بالتحديد،‮ ‬تحرك ما‮ ‬يزيد عن خمسين عجلة أميركية‮ ‬يرافقها‮ ‬غطاء جوي‮ ‬كثيف،‮ ‬مع أفواج من الخيالة والقوات الخاصة الاميركية وقوات المارينز وأدلاء عراقيين مع مترجمين وبعض أفراد البيشمركة من حزب الاتحاد الوطني‮ ‬الكردستاني‮ ‬التابع لجلال طالباني،‮ ‬بالاضافة الى العقيد الذي‮ ‬اعتقل في‮ ‬بغداد‮.‬
طوّقت المنطقة،‮ ‬وفرض حصار شديد عليها‮. ‬اشار لهم العقيد الى الدار الأولى،‮ ‬ففتشوها بدقة،‮ ‬لكنهم لم‮ ‬يعثروا على الهدف‮. ‬لكنهم بالمقابل وجدوا سيارة أجرة بلونين الأبيض والأصفر،‮ ‬وهي‮ ‬قديمة جداً‮. ‬بالاضافة الى دراجة نارية وحصان‮. ‬ثم اشار لهم العقيد الى دار قديمة متواضعة في‮ ‬المزرعة،‮ ‬وقال ان الرئىس موجود في‮ ‬داخلها‮. ‬على الفور اعتقل شخصان وفتش الدار،‮ ‬فوجدوا اطعمة قديمة واخرى معلبة مع مبلغ‮ ‬750‮ ‬الف دولار حسب ما اعلن الجيش الاميركي‮.‬

‮(‬حسب روايات كثيرة فإن المعلبات التي‮ ‬وجدت كان‮ ‬يستعملها فقط الجيش الاميركي‮).‬
‮.. ‬حين كانوا على اهبة الخروج،‮ ‬لاحظ احد الجنود صخرة تتحرك تحت قطعة سجادة‮. ‬وبعد ان رفعت بعض الحشائش والاتربة من فوق الصخرة،‮ ‬رفعت باستخدام المعاول والمجارف‮! ‬فاذا بالفتحة التي‮ ‬تؤدي‮ ‬الى‮ »‬حفرة العنكبوت‮« ‬والتي‮ ‬لا تتسع الا لشخص واحد كان هناك شخص ممدد،‮ ‬قال للجنود باللغة الانلكيزية‮: »‬انا الرئيس صدام حسين‮«. ‬اخرجه الجنود وكان‮ ‬يحمل مسدساً‮ ‬نقله الجنود الى القاعدة الاميركية في‮ ‬تكريت،‮ ‬ثم نقل بطائرة عسكرية امريكية حيث مكان اعتقاله قرب مطار بغداد الدولي‮.‬
جرى التعرف عليه من خلال بعض مساعديه الذين اكدوا انه هو،‮ ‬وعلى الفور ابلغ‮ ‬وزير الدفاع رمسفيلد،‮ ‬والرئيس الاميركي‮ ‬والجنرال ابي‮ ‬زيد،‮ ‬قائد العمليات الاميركي‮ ‬الوسطى‮.‬
وتقول بعض المصادر ان الرئيس بوش طلب احضاره برفقة بريمر الى البيت البيض على الفور،‮ ‬وطلب عدم اعلان ذلك‮.‬
وحسب الرواية الاميركية فقد اصطحب،‮ ‬في‮ ‬سرية تامة،‮ ‬الى مكان في‮ ‬العاصمة الاميركية واثناء نقله كان‮ ‬يحقن بجرعات مخدرة من انتاج اسرائيلي‮.‬
كان بوش‮ ‬يريد ان‮ ‬يرى صدام حسين مكبلا،‮ ‬وكان‮ ‬يريد كذلك ان‮ ‬يخاطب العالم،‮ ‬بعد وضعه في‮ ‬قفص حديدي‮ ‬خلف باب‮ ‬يفتح اوتوماتيكيا‮. ‬ثم ما ان‮ ‬يبدأ خطابه حتى‮ ‬يعلن المفاجأة بالقول هذا هو الشخص الذي‮ ‬حيّر العالم‮. ‬ثم‮ ‬يفتح الباب ويظهر صدام حسين داخل القفص بوضع مزر‮. ‬الا ان كولن باول واغلب رجال البنتاغون رفضوا ذلك لانها ستكون رسالة استفزاز موجهة لكل الشعوب العربية‮. ‬تم اعادة صدام حسين الى مطار بغداد‮. ‬بعد ذلك اعلن خبر القبض عليه‮.‬
وخبرنقل الرئيس الى اميركا لم‮ ‬يؤكده او‮ ‬ينفه احد‮.‬
هذه هي‮ ‬الرواية الاميركية لكيفية اسر الرئيس صدام حسين‮.‬


الأميركيون سألوني‮ ‬عن أسلحة الدمار الشامل وجوابي‮ ‬كان‮: ‬لو امتلكتها لما‮ ‬غزوتم العراق
إنهالوا عليه بالضرب وشتموه فسقط مغمى عليه فاستقدموا طبيباً‮ ‬ليفحص فكّه
سألني‮ ‬الباجه جي‮: ‬ما الذي‮ ‬فعلته بالعراق‮ ‬يا صدام؟ فسألته‮: ‬ما الذي‮ ‬جاء بك مع هؤلاء؟

تنشر الديار مقتطفات من كتاب‮: ‬صدام حسين من الزنزانة الاميركية‮: ‬هذا ما حدث‮ ! ‬من تأليف المحامي‮ ‬خليل الدليمي‮ ‬الذي‮ ‬رافقه طيلة فترة الاسر التي‮ ‬سبقت اعدامه،‮ ‬فكان الدليمي‮ ‬المحامي‮ ‬وامين السرّ‮ ‬والابن لصدام الذي‮ ‬خصّه برسائل المحبة والتقدير وتضمنت وبعضها قصائد اعجاب بالمحامي‮ ‬الذي‮ ‬ناضل وقاوم كل المحاولات لمنعه من اتمام مرافعاته‮.‬
ففي‮ ‬حلقة اليوم نستعرض الروايتين الاميركية ولصدام حسين حول اعتقاله،‮ ‬ففي‮ ‬الاولى حاول الاميركيون اظهار اعتقاله بطريقة الهارب المختبئ،‮ ‬فيما الثانية‮ ‬يستعرض فيها الرئيس العراقي‮ ‬الاسباب الحقيقية التي‮ ‬اوصلت القوات الاميركية الى اعتقاله،‮ ‬كما انه‮ ‬يكشف الخيانة التي‮ ‬تعرّض لها والشكوك التي‮ ‬رافقته خلال الايام القليلة التي‮ ‬سبقت اعتقاله‮.‬
في‮ ‬حلقة الأمس،‮ ‬سرد المحامي‮ ‬خليل الدليمي‮ ‬الرواية الاميركية للاعتقال أمام الرئيس العراقي‮ ‬صدام حسين،‮ ‬وفي‮ ‬حلقة اليوم نتابع رواية صدام للحادثة‮:‬
حين انتهيت من رواية هذه القصة للرئيس،‮ ‬ضحك وقال‮:‬
‮»‬الاميركان أساتذة في‮ ‬الدبلجة،‮ ‬وكنت واثقا انهم سيحرفون الحقائق‮. ‬فقد ارادوا ان‮ ‬يقدموني‮ ‬للعالم بطريقة‮ ‬غير لائقة ليقولوا للعراقيين هذا هو رئيسكم،‮ ‬ويقولوا للعرب هذا بطل قوميتكم‮. ‬هذه هي‮ ‬طريقتهم،‮ ‬طريقة افلام الكاوبوي‮ ‬السخيفة التي‮ ‬اشتهروا بها‮. ‬وهم خبراء في‮ ‬ذلك‮. ‬وقد رأينا ما حصل عندما انزلوا قواتهم في‮ ‬بنما واختطفوا الجنرال نورييغا وحاولوا تشويه سمعته،‮ ‬وأساليبهم معروفة لكل العالم‮. ‬وها أنا اروي‮ ‬لك القصة الحقيقية،‮ ‬وانفي‮ ‬نفيا قاطعا معظم ما ورد في‮ ‬الرواية الاميركية وخاصة الاسم الذي‮ ‬ذكروه بأنه هو الواشي،‮ ‬فهذا الشخص لدي‮ ‬ثقة كبيرة فيه،‮ ‬والاميركان‮ ‬يريدون خلط الاوراق والتمويه على الخونة الحقيقيين الذين سلموني‮ ‬للغزاة‮«.‬
ثم بدأ الرئيس‮ ‬يروي‮ ‬تفاصيل أسره،‮ ‬فقال‮:‬
‮»‬كنت اتردد على دار احد الاصدقاء في‮ ‬قضاء الدور في‮ ‬محافظة صلاح الدين وقد اخترت هذا المكان لانه المكان ذاته الذي‮ ‬لجأت إليه في‮ ‬عام‮ ‬1959‮ ‬وعبرت نهر دجلة عندما شاركت في‮ ‬الهجوم على موكب الزعيم عبد الكريم قاسم‮. ‬وهو‮ ‬يقع على نهر دجلة،‮ ‬وبالقرب منه احد القصور الرئاسية في‮ ‬الضفة الثانية.كان صاحب الدار صديقا أثق به ثقة كبيرة هو قيس النامق،‮ ‬وكنت آنذاك أكتفي‮ ‬باصطحاب اثنين من افراد حمايتي‮ ‬من المقربين لي‮ ‬كي‮ ‬لا اثقل على صاحب الدار،‮ ‬ولكي‮ ‬لا تكون الدار هدفا مرصودا للقوات الاميركية‮. ‬ودرءا لاي‮ ‬طارئ قمنا بوضع دراجة نارية وحصان وزورق جاهز في‮ ‬النهر امام الدار على نهر دجلة لكي‮ ‬نستخدمها جميعا عند الحاجة‮. ‬فإذا جاء الاميركان من جهة الصحراء نقوم باستخدام الزورق‮. ‬واذا جاءوا من جهة النهر او الشارع نستخدم الحصان ونسلك الاراضي‮ ‬الزراعية‮. ‬واذا ما اتوا من الاراضي‮ ‬الزراعية،‮ ‬فيمكن لنا ان نسلك بواسطة الدراجة النارية طريق الصحراء‮. ‬وقد اعددنا العدة لكل حالة‮. ‬ثم زيادة في‮ ‬الحذر،‮ ‬قمنا بإنشاء ملجأ تحت الارض كي‮ ‬نلجأ إليه في‮ ‬الحالات الطارئة ويشبه الملاجئ التي‮ ‬كنا نساعد العراقيين في‮ ‬انشائها في‮ ‬زمن الحرب العراقية‮ - ‬الايرانية‮.‬
كنت أمضي‮ ‬وقتا في‮ ‬هذا البيت اكثر من اي‮ ‬مكان آخر،‮ ‬ففي‮ ‬احد الايام،‮ ‬كنت في‮ ‬اماكن بعيدة ولعدة ايام اتفقد بعض فصائل المقاومة وبعض دور العراقيين‮. ‬عدت لهذه الدار وانا منهك من التعب‮. ‬كان الوقت عصرا فأخذت المصحف الشريف وقرأت بعض الآيات،‮ ‬وبقيت حتى الغروب‮. ‬كانت زوجة هذا الصديق تعد لنا الطعام‮. ‬وعندما حان وقت الصلاة،‮ ‬اطبقت المصحف واتجهت الى مكان الصلاة،‮ ‬فإذا بصاحبي‮ ‬يأتي‮ ‬راكضا من خارج الدار صائحا‮: ‬لقد جاؤوا،‮ ‬مكررا هذه العبارة عدة مرات‮. ‬فتساءلت عمن‮ ‬يكونون،‮ ‬فأجاب‮: ‬الاميركان‮.‬
وعلى الفور نزلت الى الملجأ وبعد دقائق اكتشف الاميركان مكاني،‮ ‬فقبضوا علي‮ ‬من دون اية مقاومة مني،‮ ‬بل لم اضع في‮ ‬حسابي‮ ‬مقاومتهم والسبب هو انني‮ ‬قائد،‮ ‬ومن جاؤوا كانوا جنودا وليس من المعقول ان اشبتك معهم واقتل واحدا او اكثر منهم وبعدها‮ ‬يقومون بقتلي‮. ‬فهذا تخل عن القيادة،‮ ‬والشعب وضع ثقته فينا رئيسا وقائدا وليس جنديا‮. ‬لكن لو كان بوش معهم لقاتلته حتى انتصر عليه او اموت‮.. ‬قبل القبض علي،‮ ‬تكونت لدي‮ ‬بعض الملاحظات على صديقي‮ ‬صاحب الدار‮. ‬فقبل أسبوع من الاعتقال،‮ ‬بدا لي‮ ‬شارد الذهن،‮ ‬وقد بدأ وجهه‮ ‬يتغير وتصرفه‮ ‬غير طبيعي‮. ‬ومن شدة ثقتي‮ ‬به لم‮ ‬يساورني‮ ‬ادنى شك في‮ ‬احتمال ان‮ ‬يغدر بي‮. ‬بدا لي‮ ‬في‮ ‬بعض اللحظات انه خائف ومرتبك‮. ‬ومع الاسف،‮ ‬فإنه ركب الهوى وتبع الشيطان،‮ ‬وربما هي‮ ‬الغنيمة التي‮ ‬وعده بها الاميركان‮. ‬اما انا،‮ ‬فلم اكن املك مبلغا كبيرا من المال لاتحسب للخيانة مكانا‮. ‬كان كل ما معي‮ ‬هو مليون ومئتان وثمانون الف دينار ادير بها بعض عمليات المقاومة‮.. ‬لذا،‮ ‬عليكم ان تخبروا العراقيين ان قيس النامق واخوانه هم الذين وشوا بي‮.‬
وأنفي‮ ‬كذلك نفيا قاطعا ما قيل حول تعرضي‮ ‬للتخدير‮. ‬فهذا جزء من مسلسل الكاوبوي‮ ‬الاميركي‮. ‬والحقيقة انني‮ ‬لم اكن مخدرا،‮ ‬ولم اتناول طعاما او شرابا لا في‮ ‬الايام الاولى لاعتقالي‮ ‬ولا بقية الايام‮. ‬وما‮ ‬يتعلق بتساؤلات الناس بأنه جرى نقلي‮ ‬الى الولايات المتحدة،‮ ‬فإنني‮ ‬لم اتناول اي‮ ‬شيء أفقدني‮ ‬الذاكرة او اية مادة منومة‮. ‬ومكاني‮ ‬لم‮ ‬يتغير سوى انني‮ ‬انتقلت الى المكان الثاني‮ ‬حيث كنت في‮ ‬البداية قريبا من ساعة بغداد حيث المعتقل الاول‮. ‬وانفي‮ ‬ما قيل حول نقلي‮ ‬الى جزيرة سانتياكو‮. ‬المكان الوحيد الذي‮ ‬انتقلت اليه هو مستشفى ابن سينا هذا العام،‮ ‬حيث اجريت لي‮ ‬عملية جراحية‮ »‬فتق‮« ‬من دون تخدير ليسببوا لي‮ ‬آلاما شديدة،‮ ‬الا انني‮ ‬تحملت بصبر كبير‮. ‬كانوا‮ ‬يريدون لي‮ ‬ان اضعف،‮ ‬الا انني‮ ‬قمت من العملية ومشيت بشكل طبيعي‮ ‬متحديا ظلمهم لي،‮ ‬وقلت اهذه هي‮ ‬انسانيتكم وديمقراطيتكم‮.. ‬ثم انهم‮ ‬ينقلونني‮ ‬احيانا الى المستشفى حين تستدعي‮ ‬حالتي‮ ‬الصحية ذلك‮. ‬واكرر انني‮ ‬ولدت في‮ ‬العراق،‮ ‬وسأبقي‮ ‬فيه واموت وسط شعبي،‮ ‬ولن اخرج من معتقلي‮ ‬الا الى حيث اختارني‮ ‬ربي‮.‬
أما تاريخ القبض عليه،‮ ‬فكان في‮ ‬اليوم الذي‮ ‬عدت فيه الى بيت هذا الصديق في‮ ‬12‮/‬12‮/‬2003،‮ ‬وقبض علي‮ ‬قبل صلاة المغرب‮. ‬اما صورة النخلة والتمر التي‮ ‬اظهرها الاميركان،‮ ‬والتي‮ ‬انكرها الكثيرون باعتبار اننا في‮ ‬فترة الشتاء،‮ ‬فقد كانت حقيقية‮. ‬وهذا ليس بالامر العجيب‮. ‬فالعراق زاخر بأنواع مختلفة من التمور التي‮ ‬يتأخر ثمار بعضها في‮ ‬النضوج،‮ ‬وبعضها‮ ‬يبقى كزينة على الشجرة لعدم حاجة اصحابها لها‮.‬
‮(‬لدينا تسجيل موثق بصوت الرئيس صدام حسين في‮ ‬احدى جلسات المحاكمة وهو‮ ‬يذكر اسماء الاشخاص الذين وشوا به‮. ‬ونحن بدورنا نتساءل هل وجد اشخاص خارج معرفة الرئيس مرتبطين بهذا الشخص الواشي‮ ‬وبتنسيق مع الاميركيين؟‮).‬



الاعتقال والتعذيب وأول الزائرين
حين ألقوا القبض علي‮ ‬مباشرة،‮ ‬سمعت احدهم‮ ‬يقول‮: ‬الرئيس بوش‮ ‬يسلم عليك‮. ‬ثم قام مترجم اميركي‮ ‬يتحدث باللهجة العراقية،‮ ‬وانهال علي‮ ‬بالضرب المبرح،‮ ‬وبعبارات بذيئة،‮ ‬واخذ بعض الجنود الاميركيين‮ ‬ينهالون علي‮ ‬بالضرب بأعقاب البنادق‮. ‬ثم اقتادوني‮ ‬بطائرة عمودية الى بغداد حيث استمر تعذيبي‮ ‬بطريقة‮ ‬غير معقولة‮. ‬كانت ذقني‮ ‬طويلة وكذلك شعر رأسي‮. ‬وعندما احضروا الطبيب،‮ ‬بدأ‮ ‬يفحصني‮ ‬وكنت اشير له على فكي‮ ‬اذ توقعت بأن فكي‮ ‬قد كسر من شدة الضرب‮. ‬وكان‮ ‬يبحث في‮ ‬فروة رأسي‮ ‬عن كدمات حدثت من شدة التعذيب‮. ‬كنت منهكا جدا فالموقف لم‮ ‬يكن سهلا ابدا‮. ‬ثم حلقوا شعري‮ ‬وذقني،‮ ‬وجاءوا إلي‮ ‬بثلاثة اشخاص عرفت من بينهم عدنان الباجي‮ ‬جي‮ ‬لانه كان وزيرا سابقا للخارجية العراقية‮. ‬وهذا الرجل سياسي‮. ‬سألني‮: ‬ما الذي‮ ‬فعلته بالعراق‮ ‬يا صدام؟ وبدوري‮ ‬سألته‮: ‬ما الذي‮ ‬جاء بك مع هؤلاء وأنت رجل سياسي‮ ‬ولك تاريخ؟‮.‬
ثم قدموا لي‮ ‬الشخص الآخر،‮ ‬والذي‮ ‬على ما اذكر،‮ ‬لم‮ ‬يتكلم‮. ‬قالوا انه احمد الجلبي‮.‬
اما الشخص الثالث،‮ ‬فكان موفق الربيعي‮ ‬الذي‮ ‬بقي‮ ‬خارج السور،‮ ‬اي‮ ‬كان بيني‮ ‬وبينه اسلاك شائكة‮. ‬كان‮ ‬يتحرك ذهابا وإيابا ويقول‮: ‬اللعنة عليك‮ ‬يا صدام،‮ ‬بالاضافة الى كلمات بذيئة،‮ ‬ثم سألني‮: ‬هل تستطيع الآن الخروج الى الشارع؟ فقمت من مكاني‮ ‬لألقنه درسا،‮ ‬لكن الاميركان امسكوا بي‮. ‬قلت له‮: ‬هذا شعبي،‮ ‬واستطيع ان اخرج إليه واواجهه في‮ ‬اي‮ ‬وقت،‮ ‬ولكنني‮ ‬اتحداك انت ان تخرج الى الشارع‮. ‬وبعدها،‮ ‬كما لاحظتم،‮ ‬قابلني‮ ‬القاضي‮ ‬الجوحي‮. ‬لم‮ ‬يقابلني‮ ‬احد‮ ‬غير هؤلاء سوى الاميركان من الحراس والضباط‮. ‬وزارني‮ ‬الصليب الاحمر ثلاث مرات،‮ ‬وكنت مستاء منهم،‮ ‬لانهم لا‮ ‬يقومون بدورهم المحدد وواجبهم وفقا لاتفاقيات جنيف‮. ‬فلم تكن زياراتهم لي‮ ‬ذات فائدة،‮ ‬واذا استمروا على هذا الحال،‮ ‬فإنني‮ ‬لا ارغب في‮ ‬لقائهم‮. ‬وقد سلموني‮ ‬رسالتين احداهما مؤرخة في‮ ‬شهر آب‮ ‬2004،‮ ‬وهي‮ ‬مثل سابقتها،‮ ‬شطب من محتوياتها سبعون بالمائة‮... ‬وردا على سؤال ان كنت قد التقيت بأحد من رفاقي،‮ ‬فأقول انني‮ ‬لم ألتق بأحد،‮ ‬ولا اعرف مكان اعتقالهم ولا احوالهم‮. ‬وقد ابلغني‮ ‬قبل فترة احد الضباط الاميركان ان ابن عمي‮ ‬علي‮ ‬حسن المجيد قال إنني‮ ‬لم اكن شجاعا وكرر هذه العبارة فتجاهلته بالكامل،‮ ‬واعتبرت هذا الكلام من باب الفتنة التي‮ ‬يجب الحذر منها،‮ ‬ونوعا من الاستدراج في‮ ‬التحقيق‮.‬
من خلال التحقيقات التي‮ ‬اجراها الاميركان معي،‮ ‬كانوا‮ ‬يسألونني‮ ‬باستمرار عن مكان اسلحة الدمار الشامل‮. ‬وكنت اقول لهم اسألوا انفسكم،‮ ‬وانتم تعلمون‮ ‬يقينا بأنه لو كان لدي‮ ‬اسلحة دمار شامل،‮ ‬لما اقدمتم على‮ ‬غزو العراق واحتلاله‮. ‬ثم سألوني‮ ‬اين اخبئ اموالي‮ ‬الكثيرة،‮ ‬واتهموني‮ ‬بأن رصيدي‮ ‬تجاوز الـ36‮ ‬مليار دولار،‮ ‬فقلت لهم‮: ‬فتشوا مصارف العالم واحدا واحدا،‮ ‬وانبشوا الارض تحتكم،‮ ‬فلن تجدوا شيئا لأنكم تعلمون بأن ليس لصدام حسين حسابات حقيقية او وهمية،‮ ‬وانتم على معرفة بوضع عائلتي،‮ ‬وجزى الله عنا خير الجزاء من آواهم وأعالهم‮.‬
اسئلة كثيرة سخيفة طرحوها علي،‮ ‬شعرت من خلالها بتخبطهم في‮ ‬التحقيق،‮ ‬وبأنهم في‮ ‬ورطة حقيقية‮. ‬لذلك اجدهم‮ ‬يبحثون عن اي‮ ‬حل‮ ‬يحفظ ماء وجوههم‮.‬




زنزانة الرئيس
بعد أن تحدث الرئيس صدام حسين عن قصة أسره عندما كان في‮ ‬الدار التابعة للمزرعة،‮ ‬ثم نزوله الى الملجأ او السرداب كما كان‮ ‬يسميه احيانا ساورني‮ ‬شك بأن هناك حلقة مفقودة لا‮ ‬يعلمها الرئيس وهو ما جرى خارج الدار،‮ ‬لان الفترة بين اخباره بقدوم الاميركان ونزوله الى الملجأ‮ ‬يستغرق وقتا لا‮ ‬يقل عن عشر دقائق،‮ ‬وخروجه من الملجأ لا‮ ‬يتم إلا بمساعدة احد،‮ ‬كما ان الحفرة التي‮ ‬اظهرها الاميركان على ان الرئيس كان مختبأ فيها‮ (‬إن لم‮ ‬يكن قد تم تغييرها بأخرى‮) ‬ما هي‮ ‬الا مدخل صغير‮ ‬يؤدي‮ ‬الى الملجأ‮. ‬فمن باب الاساءة للرئيس وضعوه في‮ ‬مدخل الملجأ وليس الملجأ نفسه،‮ ‬وبعدها انهالوا عليه بالضرب المبرح الوحشي‮ ‬مع سبه وشتمه،‮ ‬مما افقده توازنه،‮ ‬خاصة وهو‮ ‬يقترب من السبعين من عمره فسقط مغمى عليه‮. ‬ثم قاموا بعدها بنقله الى القاعدة الجوية الاميركية في‮ ‬تكريت،‮ ‬وبعدها نقل على عجل الى بغداد بطائرة مروحية‮. ‬واكتملت فصول المسرحية بإظهاره بالطريقة التي‮ ‬رآها العالم حيث الطبيب‮ ‬يفحص فكه،‮ ‬والرئيس‮ ‬يشير إليه للتأكد من سلامة فكه بعد ان تعرض لأقسى انواع الضرب على وجهه‮. ‬كما ان الطبيب كان‮ ‬يفحص فروة رأسه بحثا عن كدمات‮. ‬وحين سألته ان كان وقتها او قبلها مخدرا،‮ ‬اجاب بالنفي‮ ‬وبشكل قاطع وقال‮: ‬كنت قد تعرضت لتعذيب وحشي‮ ‬افقدني‮ ‬صوابي‮. ‬لذلك فإن مجرد ذكر موضوع الوشاية كان‮ ‬يؤلمه بشكل كبير‮.‬
والرئيس صدام حسين‮ ‬يعرف مكان اعتقاله،‮ ‬ويعرف تفاصيله‮. ‬وهو كما‮ ‬يقول‮: »‬عبارة عن‮ ‬غرفة مساحتها‮ ‬3‮ * ‬5‮ ‬متر،‮ ‬نوافذها عالية تحت السقف مباشرة‮. ‬في‮ ‬احد زوايا الغربة حمام ودورة مياه‮. ‬ويخرجونني‮ ‬يوميا لمدة ساعة واحدة الى قاعة مساحتها بحدود‮ ‬10‮ * ‬5‮ ‬متر،‮ ‬سقفها مشبك ارى من خلاله السماء،‮ ‬لكنهم وضعوا عليه لاحقا‮ »‬جادر‮« (‬نوع من القماش الخاص‮)‬،‮ ‬وتركوا لي‮ ‬فتحة عليا بمساحة مترين فقط اسمع من خلالها اصوات الانفجارات وازيز الطائرات‮. ‬كانوا‮ ‬يخرجونني‮ ‬يوميا صباحا الى الجب لأنه‮ ‬يشبه بئر‮ ‬يوسف ملحق ببيت النور‮. ‬وهو عبارة عن جدران عالية تحيط بمساحة ارضية لا تزيد عن‮ ‬25‮ * ‬10‮ ‬متر مغطاة بتشبيك من الاسلاك الحديدية‮ ‬تعلوه خيمة،‮ ‬وتركوا جزءا مكشوفا منها لارى السماء من خلال هذا الحديد‮. ‬كانوا‮ ‬يخرجونني‮ ‬الى هذا المكان من خلف اربعة ابواب حديدية‮..‬
وأتساءل‮: ‬هل‮ ‬يهم السجين ان كان لسجنه شبابيك ام لا،‮ ‬او ان تكون الابواب التي‮ ‬يتعداها خمسة او عشرة او واحدا‮.. ‬إنكم تعرفون مدى صبري‮. ‬فهذا ثواب لحسنات وتكفير عن سيئات‮. ‬والحمد لله على وعده‮.‬
الزمن‮ ‬يمر مسرعا وانا اخشى ان انظر الى ساعتي،‮ ‬واخشى ان‮ ‬يأتي‮ ‬الضابط ليبلغني‮ ‬بانتهاء الوقت‮. ‬تمنيت للحظة ان تتوقف عقارب الساعة،‮ ‬لكن الزمن‮ ‬يمر ويمر بسرعة رغما عنا وعما‮ ‬يعتري‮ ‬داخلي‮ ‬من الشوق‮.. ‬فكيف اذا كان هذا الزمن محددا مع رئيسي‮ ‬صدام حسين‮.‬




بين المصحف والعائلة
كنت قد احضرت للرئيس مصحفا من بيتي،‮ ‬فشكرني‮ ‬عليه‮. ‬وقد‮ ‬لاحظت ان المصحف الذي‮ ‬بين‮ ‬يديه محروقه من احدى زواياه‮. ‬استفسرت من الرئيس عن هذا المصحف فقال لي‮:‬
بعد اعتقالي‮ ‬بأيام،‮ ‬اخذوا مني‮ ‬نظارتي‮ ‬الطبية،‮ ‬ولا اعرف مصيرها‮. ‬وهذا المصحف لي‮ ‬قصة معه‮. ‬عندما كنت ازور الناس في‮ ‬مختلف الاماكن والمحافظات،‮ ‬وبعد بناء دور الضيافة،‮ ‬امرت بوضع مصاحف في‮ ‬كل‮ ‬غرفة من‮ ‬غرف الدور‮. ‬وبعد اعتقالي،‮ ‬جاءوا بي‮ ‬الى احد الاماكن التي‮ ‬لا‮ ‬يوجد فيها دورات مياه داخلية،‮ ‬فطلبت الخروج لقضاء الحاجة‮. ‬فقاموا كعادتهم بوضع قطعة قماش على عيني،‮ ‬لكنني‮ ‬كنت ارى من خلالها‮. ‬اقتادوني‮ ‬الى احد الاماكن المدمرة الملحقة بالدار التي‮ ‬اقيم فيها الان والتي‮ ‬دمرت نتيجة القصف،‮ ‬فوجدت هذا المصحف مرميا على الارض وقد التهمت النار جزءا من زواياه‮. ‬فرحت به كثيرا،‮ ‬وسمحوا لي‮ ‬بأخذه‮. ‬وفي‮ ‬غرفتي‮ ‬وجدت ان الصفحة الاولى والصفحة التي‮ ‬فيها سورة‮ (‬الحمد‮) ‬قد اقتطعتا نتيجة القصف‮. ‬فأخذت قطعة حلوى لدي‮ ‬وبللتها بلعابي‮ ‬وكتبت عليها بدل الصفحات الناقصة،‮ ‬البسملة وسورة الفاتحة‮. ‬والان اقرأ بهذا المصحف واعتز به كثيرا لانه من مصاحفي‮ ‬القديمة،‮ ‬واتذكر فيه كيف كنا وكان العراق‮.. ‬الحمد لله‮.. ‬الحمد لله على كل حال‮.‬
هنا نبهنا الضابط الاميركي‮ ‬انه لم‮ ‬يتبق من وقت المقابلة إلا ربع ساعة‮. ‬سألت الرئيس ان كان‮ ‬يرغب في‮ ‬ان‮ ‬يبعث برسالة الى عائلته،‮ ‬فأجابني‮:‬
إن كنت تقصد عائلتي‮ ‬الاربع او الخمس انفار،‮ ‬فإنني‮ ‬اقول لك ان عائلتي‮ ‬هي‮ ‬العراق كله والامة العربية كلها‮. ‬بلغ‮ ‬سلامي‮ ‬الى شعب فلسطين والعراق والاردن والامة كلها وكل الخيرين في‮ ‬الانسانية،‮ ‬ولا بأس ان تسلم لي‮ ‬على عائلتي‮ ‬الصغيرة‮. ‬وبلغ‮ ‬سلامي‮ ‬الى كل زملائك المحامين والى عشيرتك والى امك التي‮ ‬انجبتك،‮ ‬وقبل رأسها عني،‮ ‬ودير بالك على نفسك‮.‬
‮❊ ❊ ❊‬
لملمت اوراقي،‮ ‬وعانقته مودعا وقبلت‮ ‬يديه‮. ‬شعرت بالالم‮ ‬يعتصرني‮ ‬وأنا اغادره‮.. ‬شعرت ان نصفي‮ ‬المهني‮ ‬يغادره والنصف الانساني‮ ‬الذي‮ ‬جبل بتراب العراق وحب رئيسه‮ ‬يريد ان‮ ‬يبقى معه‮. ‬وتساءلت كيف اتركه بين ايدي‮ ‬الغزاة،‮ ‬واعلل النفس بأنه حر بإرادته،‮ ‬بصلابته،‮ ‬بكل انجازاته التي‮ ‬حققها للعراق الحبيب،‮ ‬العراق الذي‮ ‬عشقه الرئيس،‮ ‬وما كان‮ ‬يملك سوى هذا الحب الذي‮ ‬شغل حياته‮. ‬فالعراق في‮ ‬دمه‮.. ‬قائد عظيم لم‮ ‬يهرب من الميدان‮.. ‬لم‮ ‬يعثروا له على اموال في‮ ‬البنوك‮.. ‬قال لهم الحقيقة ان لا اسلحة دمار شامل في‮ ‬العراق،‮ ‬وصدق وكذبوا هم‮...‬
حين كنت اودعه،‮ ‬قال لي‮ ‬بنبرة أبوية دافئة‮:‬
‮»‬الحمل لله الذي‮ ‬وهبني‮ ‬ابنا ثالثا‮. ‬وللمرة الثانية أقول بلغ‮ ‬سلامي‮ ‬الى اسرتك واطفالك،‮ ‬وان تقبل رأس والدتك،‮ ‬وقل لها‮: ‬لقد أنجبت رجلا شجاعا،‮ ‬لان مهمتك واخوانك صعبة وفي‮ ‬غاية الخطورة‮.. ‬حماك الله‮ ‬يا ولدي،‮ ‬وفي‮ ‬امان الله‮..«.‬
لم اتماسك‮.. ‬انهالت دموعي‮ ‬شعرت فيها طعم ونقاء دجلة والفرات‮. ‬قلت في‮ ‬نفسي‮: ‬هي‮ ‬بعض من الوفاء لك‮. ‬يملؤني‮ ‬الفخر بك‮. ‬سأواصل الدفاع عنك ولو كلفني‮ ‬ذلك حياتي‮.‬
حين‮ ‬غادرت الرئيس،‮ ‬طلب مني‮ ‬الضابط الاميركي‮ ‬التوجه الى العربة ذاتها وسط عجلات الحماية العسكرية الاخرى‮. ‬وفي‮ ‬طريق العودة توقفت العربة،‮ ‬واذا بضابط اميركي‮ ‬طويل القامة،‮ ‬احمر الوجه‮ ‬يسألني‮ ‬عن زيارتي‮ ‬للرئيس صدام حسين بعد ان عرفني‮ ‬بنفسه ورتبته وهو قائد المعتقل‮. ‬رغبت بالنزول للتحدث بأمور تتعلق بالرئيس،‮ ‬لكنه رفض كي‮ ‬لا احدد مكان الاعتقال وقال‮: ‬سنسهل مهمتك في‮ ‬زيارته،‮ ‬لكن لا تبح لاحد عن مكانه،‮ ‬فسماء العراق مليئة بالاقمار الصناعية،‮ ‬ونخشى ان تقوم الدول بإعطاء معلومات عن مكانه لدول اخرى التي‮ ‬من الممكن ان تقصف مكان الاعتقال،‮ ‬وعندها ستتحمل انت المسؤولية‮. ‬رددت عليه بأن حياة هذا الرجل تهمني‮ ‬وتهم شعب العراق اكثر منكم،‮ ‬وانا احرص على ذلك‮. ‬ثم شكوت له من الحواجز ونقاط التفتيش الاميركية التي‮ ‬قد تعرقل وصولي‮ ‬في‮ ‬الوقت المطلوب الى مكان الرئيس‮. ‬فأعطاني‮ ‬رقم هاتفه الشخصي‮ ‬للاتصال عند الضرورة‮.‬
اعلن الاميركان بعد زيارتي‮ ‬هذه للرئيس انهم فجروا الدار التي‮ ‬كان‮ ‬يعتقل فيها،‮ ‬وانعم‮ ‬غيروا مكانه،‮ ‬ثم قاموا بقطع خط الاتصال الساخن الذي‮ ‬زودني‮ ‬به الضابط الاميركي،‮ ‬ثم تبين لاحقا ان الاميركان لم‮ ‬يفجروا او‮ ‬يغيروا مكان اعتقال الرئيس،‮ ‬وانما اجروا بعض التغييرات على الدار كوضع اشكال وادوات تمويه لاخفاء معالم المكان‮. ‬وقد اخبرني‮ ‬الرئيس لاحقا بذلك قائلا‮: ‬المكان هو نفسه،‮ ‬بحيرة النور،‮ ‬وخلوا فوكاه‮ (‬ووضعوا فوقه‮) ‬غش للتمويه‮.‬




الرئيس واستخدام الهاتف
في‮ ‬السنوات التي‮ ‬كنت قريبا فيها من الرئيس خلال فترة اعتقاله،‮ ‬علمت منه انه ما كان‮ ‬يحبذ استخدام الهاتف لأسباب امنية،‮ ‬خاصة بعد عام‮ ‬1990،‮ ‬حيث‮ ‬غصت سماء العراق بالاقمار الصناعية،‮ ‬وانتشرت‮ ‬آليات التجسس الاميركية والمعادية‮. ‬وقد قال لي‮ ‬ان علينا التعامل مع الهاتف بحذر،‮ ‬وقال‮: ‬لا اتذكر انني‮ ‬استخدمت الهاتف بعد عام‮ ‬1990‮ ‬الا مضطرا،‮ ‬اما اختصارا للوقت او لقضية انسانية‮. ‬اما القضايا الاخرى والمهمة فكنت استخدم التبليغ‮ ‬الشفوي‮ ‬او التحريري‮ ‬مع اخواني‮ ‬في‮ ‬القيادة او مع السكرتير‮.‬
وكان الرئيس‮ ‬يؤكد على خطر استخدام الهاتف وخاصة اللاسلكي‮ ‬وقت الطوارئ والحروب،‮ ‬لان استحضارات العدو تعتمد على المعلومات الاستخبارية التي‮ ‬يحصل عليها في‮ ‬ميدان المعركة او في‮ ‬عمق الخصم عن طريق استخدام وسائل الاتصال‮. ‬ولذلك تعتمد الجيوش على الكلام المشفر للتمويه على تنصت العدو او ما‮ ‬يحدثه من خرق‮.. ‬حتى في‮ ‬اجتماعات القيادة لا اذكر انني‮ ‬استخدمت الهاتف في‮ ‬تحديد اجتماع او طلب حضور اخواني‮ ‬في‮ ‬القيادة‮. ‬وكان‮ ‬يتم ذلك عن‮ ‬طريق تبليغنا السكرتير خطيا او شفويا‮.‬



المعارضة العراقية حاولت تشويه صورة طارق عزيز واتهامه بالاجتماع مع شخصيات اسرائيلية
صدام قرّر اعدام نجله عدي‮ ‬لقتله احد المرافقين و تراجع عن قراره بعد طلب الملك حسين
احرق السيارات الفخمة التي‮ ‬امتلكها ابنه البكر ورفض توزيعها على الناس خشية من الانتقام
تنشر الديار مقتطفات من كتاب‮: ‬صدام حسين من الزنزانة الاميركية‮: ‬هذا ما حدث‮ ! ‬من تأليف المحامي‮ ‬خليل الدليمي‮ ‬الذي‮ ‬رافقه طيلة فترة الاسر التي‮ ‬سبقت اعدامه،‮ ‬فكان الدليمي‮ ‬المحامي‮ ‬وامين السرّ‮ ‬والابن لصدام الذي‮ ‬خصّه برسائل المحبة والتقدير وتضمنت وبعضها قصائد اعجاب بالمحامي‮ ‬الذي‮ ‬ناضل وقاوم كل المحاولات لمنعه من اتمام مرافعاته‮.‬
ففي‮ ‬حلقة اليوم نستعرض الروايتين الاميركية ولصدام حسين حول اعتقاله،‮ ‬ففي‮ ‬الاولى حاول الاميركيون اظهار اعتقاله بطريقة الهارب المختبئ،‮ ‬فيما الثانية‮ ‬يستعرض فيها الرئيس العراقي‮ ‬الاسباب الحقيقية التي‮ ‬اوصلت القوات الاميركية الى اعتقاله،‮ ‬كما انه‮ ‬يكشف الخيانة التي‮ ‬تعرّض لها والشكوك التي‮ ‬رافقته خلال الايام القليلة التي‮ ‬سبقت اعتقاله‮.‬
من المعروف ان لرئيس الدولة،‮ ‬اي‮ ‬دولة،‮ ‬صلاحيات وواجبات محددة وفقاً‮ ‬للقوانين والانظمة والدساتير‮. ‬وهذه الصلاحيات لا‮ ‬يمكن لها ان تجعل من الرئيس مسؤولاً‮ ‬عن كل صغيرة وكبيرة وكل شاردة وواردة،‮ ‬خاصة ان سلطات الرئيس الدستورية المعروفة لا تجعل منه‮ »‬قائمقام‮« ‬او‮ »‬مدير ناحية‮« ‬او‮ »‬شرطي‮ ‬مرور‮« ‬حتى‮ ‬يطّلع على أدق التفاصيل ويعالج كل ما‮ ‬يتصل بها من اخطاء‮.‬
في‮ ‬لقاء مع الرئيس صدام حسين في‮ ‬معسكر كروبر،‮ ‬تحدثنا طويلا عن المعارضة العراقية،‮ ‬وعن الاخطاء التي‮ ‬حدثت والتي‮ ‬قد تكون سبب اذى للكثيرين الذين لم تصل قضاياهم الى الرئيس‮. ‬وكان صريحا في‮ ‬الحديث حول هذا الموضوع‮.‬
يقول الرئيس‮:‬
‮»‬ان لكل نظام سياسي‮ ‬من‮ ‬يعارضه في‮ ‬الرأي،‮ ‬سواء ما‮ ‬يتعلق بالقوانين والانظمة،‮ ‬او قد‮ ‬يمتد ذلك الى سياسة الدولة الخارجية والداخلية في‮ ‬ما‮ ‬يخص سياستها وعلاقتها مع الشعب‮. ‬وهذا النوع من المعارضة نحترمه ما دام الاختلاف في‮ ‬الرأي‮ ‬يقع ضمن اطار نظام الدولة ودستورها‮. ‬وقد تعاملنا مع الكثير من الشخصيات الوطنية العراقية رغم اختلاف وجهة نظرها ومعارضتها لنا في‮ ‬كثير من الامور،‮ ‬لأن هدف هذا النوع من المعارضة هدف وطني‮ ‬نبيل،‮ ‬وهؤلاء العراقيون شرفاء وأصلاء ما داموا لا‮ ‬يستقوون بالأجنبي‮«.‬
تذاكرت مع الرئيس بعض هذه الأسماء ومنها المعارضة الوطنية التي‮ ‬يرأسها الدكتور عبد الجبار الكبيسي‮ »‬جبهة التحالف الوطني‮«‬،‮ ‬التي‮ ‬عارضت الغزو الاميركي‮ ‬للعراق ومنهج الاستقواء بالاجنبي‮. ‬وهنا قال الرئيس‮: »‬بلغ‮ ‬سلامي‮ ‬الى الجميع،‮ ‬والى الأبطال عوني‮ ‬القلمجي‮ ‬ونوري‮ ‬المرادي‮ ‬وهارون محمد‮«.‬
‮»‬كنا على وشك ان نصل مع بعض من رموز المعارضة الوطنية الى موقف مشترك لخدمة العراق لولا وقوع عدوان اميركا‮. ‬فمشروع المعارضة هذه،‮ ‬مشروع وطني‮ ‬غير مرتبط بقوى وأجندات خارجية،‮ ‬وهم‮ ‬يعملون علناً،‮ ‬وهؤلاء وغيرهم نكن لهم كل الاحترام‮. ‬اما من‮ ‬يعمل لحساب نفسه ويرتبط بأجندة خارجية،‮ ‬ويعمل في‮ ‬السر ومن خلف الحدود،‮ ‬بعضهم تحت اجندة تسمي‮ ‬نفسها دينية،‮ ‬وترتبط ارتباط وثيقا بأعداء العراق والعرب،‮ ‬ويعملون لايران وغيرها،‮ ‬فهؤلاء لا مكانة لهم بيننا،‮ ‬ولكن اذا ما اصلحوا انفسهم،‮ ‬وارتبط مشروعهم بمصلحة الوطن،‮ ‬وعملوا علنا،‮ ‬وانهوا كل ارتباط لهم بالخارج،‮ ‬فان حضن العراق‮ ‬يتسع للجميع‮.. ‬وخلاف ذلك،‮ ‬فاننا نقاتلهم‮. ‬فهم الذين جاءوا على ظهر دبابات أسيادهم‮.. ‬وهؤلاء اعداء للعراق وشعبه‮«.‬
كان الحديث طويلا مع الرئيس حول المعارضة،‮ ‬وعن محاولات تشويه حتى صورة بعض الوطنيين‮. ‬وقال لي‮ ‬ان تقريرا وصله ذات‮ ‬يوم قيل فيه ان الاستاذ طارق عزيز،‮ ‬عندما كان وزيراً‮ ‬للخارجية،‮ ‬التقى ببعض الشخصيات الاسرائيلية في‮ ‬نيويورك على هامش اعمال الجمعية العامة للامم المتحدة‮.‬
‮»‬فقلت لمن جلب لي‮ ‬التقرير ولكاتب التقرير ان ثقتي‮ ‬بالاستاذ طارق لا حدود لها‮. ‬وطلبت حضور الاستاذ طارق،‮ ‬وسألته على انفراد عما قيل،‮ ‬فأجاب‮: ‬كان عندي‮ ‬مؤتمرصحفي،‮ ‬ويبدو ان بعض الصحفيين اليهود من بلدان العالم ومن اميركا كانوا في‮ ‬المؤتمر،‮ ‬ولم‮ ‬يكونوا اسرائيليين‮. ‬فهل كان علي‮ ‬أن أتفحص هوياتهم بنفسي‮ ‬قبل الدخول للمؤتمر الصحفي؟‮«.‬
ويكمل الرئيس صدام‮: »‬طلبت منهم تمزيق التقرير وابقاء الامر سراً‮ ‬كي‮ ‬لا تحدث ثرثرة وتشكيك بالناس المخلصين للعراق‮«... ‬ثم اضاف‮: »‬من العيب ان أتحدث عن نفسي،‮ ‬ولكن ما دام التشويه قد وصل الى هذا الحد،‮ ‬بعد أن بنينا العراق طابوقة طابوقة،‮ ‬فانني‮ ‬سأتحدث بعد الآن عن ذلك كي‮ ‬أوضح الحقائق التي‮ ‬بدأ من بدأ‮ ‬يشوهها على العراقيين‮«.‬
وكلنا‮ ‬يعرف الأستاذ طارق عزيز ومواقفه الوطنية المشرفة قبل الاحتلال وفي‮ ‬المعتقل‮. ‬وهو الذي‮ ‬طلب مني‮ ‬ان‮ ‬يكون شاهداً‮ ‬للدفاع عن الرئيس صدام حسين،‮ ‬فعندما التقينا مع الأسرى أنا وزميلي‮ ‬الشهيد الأستاذ خميس العبيدي،‮ ‬قال لي‮ ‬الأستاذ طارق عزيز علناً‮ ‬وأمام الأسرى والجانب الأميركي‮: »‬أرجو‮ ‬يا أستاذ خليل ان تسمحوا لي‮ ‬ان اقول كلمة حق وأشهد للرئيس في‮ ‬قضية الدجيل‮«.‬
هناك أمثلة كثيرة حاول خلالها البعض من ضعاف النفوس الدس على أبناء العراق المخلصين ودفعوهم مرغمين الى الخندق الآخر،‮ ‬ووضعوهم في‮ ‬خانة المعارضة المتآمرة على العراق‮. ‬وعندما‮ ‬يحين الوقت المناسب،‮ ‬سنكشف عن أدق التفاصيل في‮ ‬ما‮ ‬يتعلق بالمعارضة،‮ ‬وكيف كان‮ ‬يتم دفع كثير من الوطنيين مرغمين ان‮ ‬يكونوا ضد الدولة أو النظام،‮ ‬ومن هي‮ ‬الاطراف التي‮ ‬كانت تدفعهم،‮ ‬كل ذلك مدعوم بالوثائق والأدلة‮.‬
ثم‮ ‬يبتسم الرئيس ويتابع‮: »‬يا ولدي،‮ ‬قابل آني‮ ‬أصير ألف صدام حسين‮«.‬
لكن ربما‮ ‬يكون هناك من وقع ضحية وشاية أو ظلم بعض المحيطين والمقربين؟
يجيب الرئيس‮:‬
‮»‬نعم هذا‮ ‬يحصل،‮ ‬لكن لم‮ ‬يصلني‮ ‬مظلوم الا نصرته،‮ ‬ولا سائل إلا وأعنته،‮ ‬ولا صاحب حاجة الا وقضيت له حاجته‮. ‬فقد كنت وما ازال انظر الى العراقيين نظرة واحدة‮. ‬وقد حصلت اخطاء كثيرة،‮ ‬ولكننا كنا نتجنب وعلى قدر المستطاع الوقوع فيها،‮ ‬ولا اذكر اننا ظلمنا احدا،‮ ‬رغم اننا لسنا معصومين من الخطأ‮. ‬اما اذا لم‮ ‬يصلني‮ ‬كل ما من شأنه ان‮ ‬يصلني‮ ‬ونرفع به عن كاهل اي‮ ‬عراقي‮ ‬عبئا ما،‮ ‬فهذا ليس ذنبي،‮ ‬حتى عندما كان‮ ‬يصلني‮ ‬عن اي‮ ‬تصرف خاطئ تجاه العراقيين من قبل الناس المحيطين‮ ‬
سواء في‮ ‬الديون او افراد الحماية او‮ ‬غيرهم،‮ ‬فقد كنت اعاقبه بنقله من مكان لاخر او نحيله على التقاعد،‮ ‬او‮ ‬ينال العقوبة التي‮ ‬يستحقها فلا نقبل ان‮ ‬يكون بيننا من‮ ‬يسيء لابناء شعبنا ويشوه صورة مسيرتنا،‮ ‬ولا نجزم بانه لا‮ ‬يوجد بين المحيطين والمقربين وحتى الاقوياء من هو سيئ‮.‬
ويضيف الرئيس‮:‬
ان من‮ ‬يسمون نظامنا الوطني‮ ‬الان ومن قبل،‮ ‬بالنظام الدكتاتوري،‮ ‬وكانوا‮ ‬يعارضوننا انذاك،‮ ‬كنا نستمع اليهم والى وجهات نظرهم،‮ ‬وكنا نتفق ونختلف معهم في‮ ‬امور عدة،‮ ‬وكنا نقف معهم ونساعدهم حتى ماديا وبمبالغ‮ ‬هم‮ ‬يعرفونها،‮ ‬ولا نمّن عليهم باعتبار انه استحقاق كونهم جزءا من هذا الشعب ولو كان السيد جلال طالباني‮ ‬واضحا،‮ ‬لافصح عن الكثير مما‮ ‬يعرف،‮ ‬وكذلك الحال مع السيد مسعود البرزاني،‮ ‬وقد تسعفه ذاكرته ليتذكر ما لا نريد ان نقوله كي‮ ‬لا‮ ‬يفهم ذلك بانه ايحاء منا لموقف نحتاجه في‮ ‬محنتنا هذه،‮ ‬فهذه هي‮ ‬ارادة الله،‮ ‬نحمده،‮ ‬فنحن بخير استجابة لامره‮.‬
انني‮ ‬ومن خلال مقاربتي‮ ‬للرئيس خلال هذه السنوات القليلة،‮ ‬واتصالي‮ ‬بالكثيرين من الذين كانوا محيطين به او المقربين منه،ا قول بكل صدق وامانة ان البعض منهم كانوا مخلصين للوطن وللرئيس،‮ ‬والبعض الآخر ما كان‮ ‬يستحق هذه الثقة،‮ ‬بل ان البعض تنكر لفضل الرئيس عليه،‮ ‬ولم‮ ‬يكن امينا على ما ائتمن عليه،‮ ‬مما اغضب الرئيس من تصرفاتهم هذه‮. ‬في‮ ‬حين ان عددا لا‮ ‬يستهان به كانوا اوفياء للرئيس والوطن،‮ ‬وقد جازف بعضهم،‮ ‬رغم كونه مطلوبا من قبل القوات الاميركية،‮ ‬فادلى بشهادته امام المحكمة لمصلحة الرئيس‮.‬
وقد ذكرت للرئيس بان الكثير من المخلصين كانوا مبعدين عنه وحتى بعض اقربائه من النشامى،‮ ‬كانوا ضحية تصرفات البعض من الحلقة الضيقة التي‮ ‬تحيط به والتي‮ ‬اساءت للرئيس وللمخلصين من ابناء الشعب فقال‮:‬
حقا لقد كانوا مهمشين وتم التقصير معهم،‮ ‬ولا نريد ان نذكر اسماء اصحاب هذه المواقف الطيبة لاسباب امنية‮.‬
وكوني‮ ‬واحدا من ابناء شعب العراق العظيم،‮ ‬اقول للتاريخ ان صدام حسين قد سعى الى اقامة العدل والانصاف،‮ ‬وما طرق بابه مظلوم الا وانصفه واقتص من جلاده،‮ ‬وان البعض قد‮ ‬غيّب الحقيقة عنه،‮ ‬وانه كان حازما حتى مع اولاده واقربائه‮.‬



الرئيس واخطاء بعض اقاربه
وفي‮ ‬احد لقاءاتي‮ ‬مع الرئيس،‮ ‬سألته كيف كان‮ ‬يتعامل مع اخطاء ابنائه واقربائه فقال‮:‬
ذات‮ ‬يوم شكا لي‮ ‬احد الضباط من ان عدّي‮ ‬واحد اخواله اعتديا عليه بالضرب‮. ‬فقمت على الفور باحضارهما،‮ ‬وطلبت من هذا الضابط ان‮ ‬يقوم بضربهما بالعصا نفسها‮. ‬فرفض فهددته بالعقوبة وتنزيل رتبته ان لم‮ ‬يفعل‮. ‬فقام بضربهما برأفة‮. ‬فقمت بامساك العصا وضربت عدّي‮.‬
وفي‮ ‬يوم آخر،‮ ‬اخطأ قصي،‮ ‬فامرت حرسي‮ ‬الخاص بسجنه في‮ ‬زنزانة خاصة‮.‬
عندما قام عدّي‮ ‬بقتل احد المرافقين المرحوم كامل حنا،‮ ‬امرت بسجنه،‮ ‬وطلبت من القضاء ان‮ ‬يقول قراره العادل‮. ‬لكنني‮ ‬وجدت ان وزير العدل والقضاء العراقي‮ ‬كا محرجا امامي‮. ‬فقررت اعدامه‮. ‬لكن ام عديّ‮ ‬ارسلت مبعوثا من دون علمي‮ ‬الى الملك حسين رحمه الله‮. ‬وعلى الفور حطت طائرة الملك‮. ‬وقد توقعت ان تكون زيارته في‮ ‬اطارالمشاورات الاعتيادية بين الاشقاء والعرب‮. ‬لكنني‮ ‬فوجئت به‮ ‬يطلب مني‮ ‬العفو عن عديّ،‮ ‬واقسم الملك حسين الا‮ ‬يزور العراق ان لم استجب لطلبه‮. ‬فاضطررت وفقا للتقاليد العربية الى العفو عن عديّ‮ ‬شرط ان‮ ‬يعفو عنه اهل الضحية‮.‬
وفي‮ ‬احد الايام،‮ ‬سمعت ان اخي‮ ‬وطبان وزير الداخلية،‮ ‬تصرف بشكل‮ ‬غير لائق وغير مسؤول،‮ ‬حيث قام بالنزول من سيارته بعد ان اوقفها سائقه التزاما باشارة المرور الحمراء،‮ ‬فنزل وطبان من السيارة وقام باطلاق النار على الضوء الاحمر محطما الاشارة في‮ ‬احد شوارع بغداد العامة وامام الناس الموجودين هناك‮.‬
‮ ‬وقد كان في‮ ‬حالة مزاجية وعصبية سيئة وغير عادية‮. ‬بعد ان سمعت الخبر،‮ ‬اتصلت به واستفسرت منه عن هذا التصرف،‮ ‬فاجاب بانه فقد السيطرة على اعصابه في‮ ‬تلك اللحظة،‮ ‬واعتذر لي‮ ‬بشدة‮. ‬فقلت له‮: ‬اذن انا آسف،‮ ‬فلا مكان للمجانين،‮ ‬والمتهورين في‮ ‬قيادتنا،‮ ‬واعتبر نفسك من هذه اللحظة مغادرا لموقعك‮. ‬وهكذا اصدرت قرار اعفاء اخي‮ ‬وطبان من وزارة الداخلية‮.‬
لقد مرت قصص كثيرة كنت فيها حازما مع اولادي‮ ‬واقربائي‮ ‬وغيرهم فانا لا افرق بين العراقيين‮.‬
عندما كنا نعيّن محافظا لصلاح الدين،‮ ‬وبحكم تواجد اهلي‮ ‬واقربائي‮ ‬هناك،‮ ‬كان على المحافظ المعيّن ولكي‮ ‬يقوم بواجباته،‮ ‬ان‮ ‬يحصل على الدعم الشخصي‮ ‬مني،‮ ‬وكنت ادعمه،‮ ‬وفي‮ ‬يوم،‮ ‬اتصل بي‮ ‬واخبرني‮ ‬ان احد ابناء الاقرباء‮ ‬يقود سيارته الفارهة بتهور،‮ ‬فقلت له اخرج انت بنفسك،‮ ‬واحرق السيارة او اعط الاوامر باحراقها‮.‬
عندما كانت تصلني‮ ‬معلومات عن عديّ،‮ ‬كنت له بالمرصاد لدرجة قمت بتحديد صلاحياته في‮ ‬كثير من الامور‮. ‬وقد وصلتني‮ ‬معلومات حين كان العراق محاصرا من انه‮ ‬يمتلك سيارات كثيرة،‮ ‬بعضها هدايا من التجار،‮ ‬وبعضها من اصدقائه،سألت المرافق عن اماكن وجود هذه السيارات،‮ ‬وحين علمت بانها في‮ ‬مرآب قاعة المجلس الوطني،‮ ‬ذهبت اليها واحرقتها كلها وقد سألني‮ ‬المرافق لماذا لا نوزعها على الشعب،‮ ‬قلت ان من‮ ‬يأخذ سيارة سيكون عرضة للانتقام من عديّ،‮ ‬وقد‮ ‬يحصل له مكروه‮ ‬ومن دون علمي‮.‬
كنت اغضب كثيرا عندما‮ ‬يسيء التصرف احد من اقاربي‮ ‬لان تصرفه سينعكس على سمعتنا‮.‬
عندما ضرب عديّ‮ ‬في‮ ‬المنصور في‮ ‬محاولة لاغتياله،‮ ‬فانني‮ ‬والله لم اسأل عن الحادثة،‮ ‬ولم اعرف هل جرى تحقيق ام لا،‮ ‬الا بعد ان جاءني‮ ‬مدير المخابرات وسرد لي‮ ‬بعض التفاصيل،‮ ‬عدا عن زيارتي‮ ‬له مع بعض افراد العائلة في‮ ‬المستشفى‮.‬
واذكر ان احد الاقارب قام بضرب استاذه في‮ ‬الجامعة،‮ ‬وعندما علمت جمعت الطرفين،‮ ‬وطلبت من المرافقين ان‮ ‬ينال من العقاب مثل الذي‮ ‬فعله باستاذه‮.‬
وهنا سألت الرئيس ان كان لاولاده دور في‮ ‬القرار السياسي‮ ‬فاجابني‮:‬
لم‮ ‬يكن لاسرتي‮ ‬الصغير او اولادي‮ ‬اي‮ ‬دور في‮ ‬السياسة او في‮ ‬صنع القرار السياسي،‮ ‬بل كان القرار نحن من نضعه ونتخذه مع رفاقي‮. ‬ولم‮ ‬يكن رأيي‮ ‬في‮ ‬اي‮ ‬يوم من الايام في‮ ‬اتخاذ قرار هو حاصل جمع الاصوات فالقائد‮ ‬يجب ان‮ ‬يكون لقراره ورأيه وزنه،‮ ‬ولا‮ ‬يتردد في‮ ‬اتخاذه،‮ ‬فانا لا احب المترددين‮.‬


صحيفة‮ »‬الصن‮« ‬البريطانية نشرت صوراًٍ‮ ‬له وهو‮ ‬يرتدي‮ ‬ملابسة الداخلية للتأثير على المقاومة العراقية
عرض المحققون على صدام صورة دبابة تحمل اطفالاً‮ ‬عراقيين ولدى تصفحها تبين إنها دبابة بريطانية
الاسرائىليون شاركوا في‮ ‬معارك الانبار و»الموساد‮« ‬الاسرائىلي‮ ‬طرح على محاميه مئة سؤال
تنشر الديار مقتطفات من كتاب‮: ‬صدام حسين من الزنزانة الاميركية‮: ‬هذا ما حدث‮ ! ‬من تأليف المحامي‮ ‬خليل الدليمي‮ ‬الذي‮ ‬رافقه طيلة فترة الاسر التي‮ ‬سبقت اعدامه،‮ ‬فكان الدليمي‮ ‬المحامي‮ ‬وامين السرّ‮ ‬والابن لصدام الذي‮ ‬خصّه برسائل المحبة والتقدير وتضمنت وبعضها قصائد اعجاب بالمحامي‮ ‬الذي‮ ‬ناضل وقاوم كل المحاولات لمنعه من اتمام مرافعاته‮.‬
ففي‮ ‬حلقة اليوم نستعرض الروايتين الاميركية ولصدام حسين حول اعتقاله،‮ ‬ففي‮ ‬الاولى حاول الاميركيون اظهار اعتقاله بطريقة الهارب المختبئ،‮ ‬فيما الثانية‮ ‬يستعرض فيها الرئيس العراقي‮ ‬الاسباب الحقيقية التي‮ ‬اوصلت القوات الاميركية الى اعتقاله،‮ ‬كما انه‮ ‬يكشف الخيانة التي‮ ‬تعرّض لها والشكوك التي‮ ‬رافقته خلال الايام القليلة التي‮ ‬سبقت اعتقاله‮.‬
حاولت اميركا بعد إلقاء القبض على الرئىس صدام حسين تشويه صورته اعلاميا وبشتى الوسائل واستخدمت في‮ ‬ذلك بعض ابواقها العربية المتأمركة‮. ‬فلم تكتف بذلك‮. ‬بل حاولت بعد استشهاده النيل من صورته التي‮ ‬توهجت اكثر فأكثر وهو‮ ‬يعلو سلم الشهادة والمجد‮. ‬كانت تريد ان توصل رسالة الى كل العرب نقول‮: »‬هذا هو صدام الذي‮ ‬استسلم لنا بكل سهولة ومن دون مقاومة وذلك في‮ ‬بداية اسره،‮ ‬حين اظهرته في‮ ‬الصورة المدبلجة داخل الحفرة التي‮ ‬اعدها الاميركان بإتقان‮.‬
واستمرت المحاولات لتشويه صورة الرئيس وذلك لقتل الروح المعنوية للشعب العراقي‮ ‬والمقاومة خاصة والشعوب العربية التي‮ ‬كانت ترى في‮ ‬صدام حسين رمزا للقائد المجاهد الذي‮ ‬لم‮ ‬يتوان عن ضرب تل ابيب بتسعة وثلاثين صاروخا كانت ترصدها الجماهير من على اسطح منازلها‮. ‬لكن صلابة موقفه اثناء المحاكمة المهزلة وقدرته على محاكمة جلاّديه،‮ ‬اثبتت لأعدائه ان هذا‮ ‬الرجل صعب المراس وان كل محاولاتهم باءت بالفشل وان صورته في‮ ‬العالم بأسره قد توهجت‮...‬
ويطرح جيف آرتشر‮ (‬مالكوم لاغوش‮) ‬الصحفي‮ ‬والمحلل السياسي‮ ‬الاميركي‮ ‬اسئلة لا تسمع اليوم كما‮ ‬يقول ولكنها ضرورية حين تطرح قضية العراق‮. ‬ويسأل لماذا لا‮ ‬يجيب احد عن هذه الاسئلة وانما‮ ‬يركز العالم على امر واحد هو دكتاتورية صدام حسين وقضية الدجيل التي‮ ‬ضخّمت مع ان بوش اصدر احكاما بالاعدام عندما كان حاكما لتكساس تفوق بكثير الاحكام التي‮ ‬اصدرتها محكمة العراق عام‮ ‬1984‮ ‬بحق المتهمين‮. ‬يتساءل آرتشر‮:‬
‮- ‬لماذا لا نسمع احدا‮ ‬يتحدث عن ان العراق اختارته الامم المتحدة عام‮ ‬1982‮ ‬بلدا خاليا من الأمية بينما كان مستوى التعليم في‮ ‬العام‮ ‬1973‮ ‬اقل من‮ ‬40٪؟‮.‬
‮- ‬لماذا لا نسمع عن إعلان الامم المتحدة عام‮ ‬1984‮ ‬ان نظام التعليم العراقي‮ ‬هو افضل نظام تعليم‮ ‬يراه العالم بالنسبة لدولة من العالم الثالث؟
‮- ‬لماذا لا نسمع ما قالته نيويورك تايمز عام‮ ‬1987‮ ‬من ان العراق هو باريس الشرق الاوسط؟
‮- ‬لماذا لا نسمع عن زيارات صدام حسين الى بيوت العراقيين في‮ ‬جنوبي‮ ‬العراق في‮ ‬السبعينات ليتأكد من ان كل بيت‮ ‬يملك برادا وكهرباء؟
‮- ‬لماذا لا نسمع عن الملايين من العرب الذين كانوا‮ ‬يذهبون الى العراق للاستفادة من برنامج الاراضي‮ ‬الذي‮ ‬اسسه البعثيون حيث‮ ‬يحصل كل فرد على قطعة ارض من اجل زراعة الحبوب؟
‮- ‬لماذا لا نسمع عن العلماء العراقيين والاطباء الذين ارسلوا الى البلاد العربية لمساعدة تلك الدول في‮ ‬تطوير برامجها؟
‮- ‬لماذا لا نسمع اطراء من الدول العربية للعراق لفقدانه جنودا بأعداد كبيرة في‮ ‬الحرب العراقية الايرانية دفاعا عن العرب الذين كانوا‮ ‬يخشون ان تقوم إيران بتصدير المتدينين المتعصبين لبلادهم؟
‮- ‬لماذا لم نسمع عن المبادرات العديدة التي‮ ‬قدمت لصدام في‮ ‬التسعينات من المصادر الاميركية لكي‮ ‬يعترف باسرائىل وان‮ ‬يسمح للولايات المتحدة بإقامة قواعد عسكرية في‮ ‬العراق مقابل رفع الحصار عنه؟
‮- ‬لماذا لا نسمع عن كون كل فرد في‮ ‬فريق التفتيش عن الاسلحة‮ ‬1991‮- ‬1998‮ ‬جاسوسا وليس مفتشا؟
محاولات رخيصة
وفي‮ ‬محاولة رخيصة من صحيفة‮ (‬الصن‮) ‬البريطانية التي‮ ‬يملكها الملياردير اليهودي‮ ‬الاسترالي‮ ‬ميردوخ للإمعان في‮ ‬تشويه صورة الرئيس صدام حسين نشرت له صورا على صفحتها الاولى وهو‮ ‬يرتدي‮ ‬ملابسه الداخلية‮. ‬واعتقدت الصحيفة ان نشر هذه الصور سيؤثر سلبا على المقاومة العراقية خاصة وان مثل هذه الصور تبدو‮ ‬غريبة وغير مسبوقة لزعيم في‮ ‬اية دولة من دول العالم‮.‬
تطرقت لهذا الموضوع مع الرئيس وطلبت منه الموافقة على مقاضاة الصحيفة فقال‮:‬
‮»‬ما الذي‮ ‬يضيرني‮ ‬كرجل مسلم‮ ‬يصلي،‮ ‬ان اغسل ملابسي‮ ‬بيدي،‮ ‬رغم انهم وضعوا خادما منهم ليقوم بهذا العمل‮. ‬فانا لا استسيغ‮ ‬ان‮ ‬يغسل ملابسي‮ ‬احد‮ ‬غيري‮. ‬فارجو الا تقاضوا هذه الصحيفة لان نشر مثل هذه الصور لا‮ ‬يعيبني‮ ‬ولا‮ ‬يسيء إلي‮. ‬فنحن اكبر من هذه الاساءات‮. ‬ثم ان نشرها‮ ‬يفيدنا لكي‮ ‬يطلع العالم على ديموقراطية الغرب وانتهاكاته لخصوصية الانسان‮. ‬عندما تكون لدينا قضية مهمة،‮ ‬فيجب الا نشتت آراء وانظار الرأي‮ ‬العام بقضية مثل هذه.علينا الا نفعل ما‮ ‬يشتت الاساس‮. ‬بالاضافة الى انني‮ ‬ارفض ان تصدر باسمي‮ ‬اي‮ ‬دعوى او شكوى لها علاقة بالمال‮«.‬
ان كل هؤلاء الذين حاولوا الاساءة الى الرئيس صدام حسين من خلال تشويه صورته امام العالم،‮ ‬لا‮ ‬يدركون حقيقة هذا الرجل،‮ ‬فلو قبل المساومة على حياته،‮ ‬لكان‮ ‬ينعم الان في‮ ‬عواصم العالم،‮ ‬لكنه كان‮ ‬يدرك اهداف اعدائه من وراء احتلالهم للعراق،‮ ‬وانهم‮ ‬يريدون العراق سواء اكان هو موجودا ام لا‮.‬
بالاضافة الى ذلك،‮ ‬فانهم حاولوا كسر شوكته من خلال التشهير بجثث اولاده كما نشرتها التلفزة العالمية‮. ‬وقد طرحت على الرئيس سؤالا‮ ‬يطرحه كثير من الناس‮: ‬لماذا احاط الاميركان بالمقبرة بعد دفن عدّي‮ ‬وقصيّ،‮ ‬ومصطفى لعدة ايام؟ فاجابني‮:‬
احدى الاشاعات تقول ان الذين استشهدوا في‮ ‬الموصل‮ ‬يوم‮ ‬22‮/‬7‮/‬2003‮ ‬هم ليسوا اولادي،‮ ‬اي‮ ‬ينفون الروح الجهادية عنهم،‮ ‬وهي‮ ‬محاولة اخرى للتشويه‮. ‬والدليل كما‮ ‬يقولون ان القوات الاميركية قامت بوضع الشمع على وجوه وبعض الاجزاء من جثث الشهداء لايهام الناس وانا معهم،‮ ‬انهم اولادي،‮ ‬وذلك للتأثير النفسي‮ ‬السلبي‮ ‬فيّ‮ ‬وفي‮ ‬المقاومة،‮ ‬لكنني‮ ‬اعتقد ان محاصرة المقبرة لعدة ايام كان لاعتقادهم بانني‮ ‬سأذهب الى هناك واقرأ الفاتحة على ارواحهم‮. ‬فيتمكنون عندها من القبض علي‮.‬
لقد حاولوا من قبل تشويه صور زعماء كثيرين،‮ ‬ومنهم الرئيس جمال عبد الناصر،‮ ‬رحمه الله،‮ ‬وحاولوا الاساءة اليه كثيرا،‮ ‬لكن بقيت صورته ناصعة،‮ ‬لان الشعب العربي‮ ‬واع،‮ ‬ويعرف من هم الرجال الحقيقيون‮.‬
وعندما اخبرت الرئيس عن محاولة اميركية لتشويه سمعة الدكتور ناجي‮ ‬صبري‮ ‬الحديثي‮ ‬وزير خارجية العراق الشرعي،‮ ‬خاطب المحامين،‮ ‬مازحا‮:‬
‮»‬لاحظوا ان الاستاذ خليل‮ ‬يتعنصر لابن محافظته‮«. ‬ثم التفت الي‮ ‬قائلا‮: »‬سلم لي‮ ‬على ناجي،‮ ‬وقل له الا‮ ‬يهتم،‮ ‬فثقتنا فيه اعلى واسمى من تفاهاتهم‮. ‬وهذه دعاية مغرضة ومقصودة ضد هذا الرجل الوطني‮ ‬الاصيل‮«.‬



اكاذيب اميركا
واستمرت اكاذيب اميركا ضد الرئيس صدام حسين،‮ ‬ففي‮ ‬شهر كانون الاول من عام‮ ‬2004‮ ‬اعلنت الولايات المتحدة انها ستوقف بشكل رسمي‮ ‬عمليات البحث عن اسلحة الدمار الشامل في‮ ‬العراق‮. ‬وهذا ما دفع سكوت ريتر،‮ ‬الرئيس السابق لفرق التفتيش عن اسلحة الدمار الشامل في‮ ‬العراق،‮ ‬الى التصريح بان هذا الاعلان وضع نهاية لابشع عملية‮ ‬خداع دولية في‮ ‬العصر الحديث،‮ ‬واعتبر ريتر ان‮ ‬غزو العراق‮ ‬يعتبر ابشع جريمة ترتكب حتى الآن‮.‬
ويفند لاغوش في‮ ‬مقالته‮ »‬مرة بعد اخرى‮ ‬يثبت للعراقيين ان صدام هو الافضل‮« (‬25‮-‬26‮/‬شباط‮ ‬2005‮) ‬اكاذيب اميركا التي‮ ‬روّجت لها‮ ‬لتشويه صورة الرئيس وتبرير‮ ‬غزوها للعراق‮ ‬فيقول‮:‬
في‮ ‬عام‮ ‬2003‮ ‬اعلنت اميركا انها وجدت مقبرة جماعية في‮ ‬جنوب العراق تحوي‮ ‬رفات اربعمائة الف عراقي‮. ‬لكن توني‮ ‬بلير قال لاحقا ان الرقم لا‮ ‬يتجاوز خمسة الاف،‮ ‬ومعظمهم كانوا جنودا قتلتهم الولايات المتحدة عام‮ ‬1991‮ ‬في‮ ‬عاصفة الصحراء‮.‬
كما‮ ‬يذكر لاغوش بعضا من العبارات التي‮ ‬تكررت كثيرا،‮ ‬مثل عبارة‮ »‬صدام استخدم الغازات السامة ضد شعبه‮«... ‬فيقول ان الاكراد في‮ ‬حلبجة قتلتهم الغازات السامة الايرانية‮. ‬وهي‮ ‬حقيقة كشفتها المخابرات الاميركية عــام‮ ‬1988‮ ‬واعــادت الـتأكيد عليـها عـام‮ ‬2004‮ ‬مـن ان ايران هي‮ ‬التي‮ ‬استخدمت الغازات السامة ضد الاكـراد‮.‬
ويضيف ان منظمة لحقوق الانسان ذكرت ان القوات العراقية قتلت في‮ ‬حملة الانفال عام‮ ‬1988،‮ ‬مائة وثمانين الف شخص اغلبهم من الاكراد لكنها اعترفت لاحقا بانها كانت ضحية للكذبة التي‮ ‬روج لها الاميركان،‮ ‬وانها،‮ ‬اي‮ ‬هذه المنظمة،‮ ‬لم تعثر على اية جثة‮.‬
ويستمر مسلسل الاكاذيب‮.‬





قصة البحث عن الاسلحة
يروي‮ ‬الرئيس قصة التفتيش عن اسلحة الدمار الشامل ودور المفتشين في‮ ‬مؤامرة انهاك الدولة العراقية وتدمير قوتها وامكاناتها العسكرية والتقنية،‮ ‬فيقول‮:‬
بعد العدوان الثلاثيني‮ ‬على العراق،‮ ‬وضعت اميركا وبريطانيا ومن حالفهما،‮ ‬برنامجا جائرا لقتل طموح العراقيين في‮ ‬امتلاك ناصية العلم،‮ ‬وبناء بلد حر قوي‮ ‬ومستقل‮ ‬يساعد في‮ ‬حفظ التوازن الاقليمي‮ ‬والدولي،‮ ‬وقد دمروا كل برامج العراق‮ ‬للتحقق،‮ ‬كما زعموا،‮ ‬من خلوه من اي‮ ‬اسلحة كيماوية او بيولوجية او ما‮ ‬يسمونها هم اسلحة الدمار الشامل العراقية‮.‬
ورغم توجيهاتها المباشرة لكل القطاعات العراقية بتسهيل مهمة فرق التفتيش للوصول الامن الى كل المواقع المراد تفتيشها،‮ ‬اثباتا منا لحسن النية،‮ ‬ولتيقننا المطلق بعدم وجود اي‮ ‬اسلحة خارج نطاق المسموح به،‮ ‬الا ان المفتشين كانوا جواسيس ورجال مخابرات لاميركا،‮ ‬فقد قاموا بخلق ازمات ومشاكل متعمدة،‮ ‬وحاولوا استفزازنا كثيرا،وانتهكوا سيادة العراق‮. ‬كل ذلك لاعطاء المبرر لاميركا لتضرب العراق وتعتدي‮ ‬عليه‮. ‬احدهم انصف العراق،‮ ‬وقال الحقيقة،‮ ‬لكنهم تجاهلوا تصريحاته‮. ‬وهو سكوت ريتر‮. ‬اذن كانت النــية مبـيتة لدى اميركا لضرب العراق وتدميره‮. ‬ولو كانــت اميــركا تعلم ان لدى العراق اسلحة دمار شامل،‮ ‬لما تجرأت للاعتداء عليه‮.‬
الجماعة‮ (‬الاميركان‮) ‬حققوا معي‮ ‬وهم من المخابرات الاميركية طيلة ستة او سبعة اشهر قبل مجيئك لمقابلتي‮ ‬الاولى‮. ‬وكانت كل اسئلتهم تدور حول اسلحة الدمار الشامل،‮ ‬اين ذهبت بها وهل خبأتها في‮ ‬سوريا‮. ‬قلت انهم‮: ‬انتم تعلمون ان العراق لا‮ ‬يمتلك هذه الاسلحة‮. ‬وأكدت لهم اننا حين تركنا لهم الفرصة ليقوموا بالتفتيش الكامل في‮ ‬العراق،‮ ‬وكانوا‮ ‬يصولون ويجولون،‮ ‬كان هدفنا ان‮ ‬يطمئنوا اننا كنا صادقين في‮ ‬اقوالنا وتعهداتنا والتزاماتنا للمجتمع الدولي‮. ‬وقلت لهم‮: ‬عليكم ايها الاميركان ان تدركوا ان للعراق جارا عدوا شرسا وهو ايران التي‮ ‬تمتلك الامكانات العسكرية والبشرية والمادية،‮ ‬في‮ ‬وقت كنتم انتم تحاصرون العراق بهجوم في‮ ‬ظل حصاركم الجائر،‮ ‬بالاضافة الى انكم اختلقتم تقسيما في‮ ‬الجو حسب خطوط الطول والعرض،‮ ‬وفرضتموها ظلما على العراق‮. ‬ثم عرض المحققون على صورة لدبابة بريطانية تحمل مجموعة من الاطفال العراقيين،‮ ‬وقالوا لي‮: ‬انك كنت تستخدم هؤلاء الاطفال دروعا بشرية،‮ ‬وهذا مخالف لكل القوانين‮.‬
عندما تفحصت الصورة،‮ ‬وجدت ان الدبابة في‮ ‬الصورة دبابة بريطانية وليست عراقية،‮ ‬فقد قاموا بتزوير الصور لتشويه صورتي‮ ‬امام العام‮.‬
كذلك كانوا‮ ‬يسألونني‮ ‬باستمرار،‮ ‬لماذا ضربت اسرائيل بتسعة وثلاثين صاروخا،‮ ‬وهي‮ ‬دولة لم تهددكم،‮ ‬قلــت لهـم ان اسرائيل كيان مسخ،‮ ‬انتم من اوجده،‮ ‬وهذا الكيان المسخ هو الذي‮ ‬جلب كل المصائب للمنطقة،‮ ‬ثم سألوني‮: ‬لماذا كنت تدعم الفلسطينيين وتمنحهم اموالا،وكذلك كنت تمنح كل‮ »‬ارهابي‮« ‬فلسطيني‮ ‬يفجر نفسه مبلغ‮ ‬خمسة وعشرين الف دولار؟ قلت ان امكانات العراق المادية والبشرية هي‮ ‬في‮ ‬خدمـة قضايا الامة،‮ ‬وفي‮ ‬مقدمها قضية فلسطين‮. ‬ونحن موجودون هنا في‮ ‬هذا المعتقل من اجل قضية فلسطين،‮ ‬والابطال الذين‮ ‬يفجرون انفسهم في‮ ‬وجه العدو الصهيوني‮ ‬هم ابطال شهداء وليسوا انتحاريين،‮ ‬ثم سألوني‮ ‬عن هذا العدد الهائل من قواتنا المسلحة وجيش القدس،‮ ‬فقلت لهم ان ديننا الاسلامي‮ ‬الحنيف امرنا ان نعد لعدونا ما استطعنا من القوة ومن رباط الخيل‮.‬
اسئلة كثيرةوجهوها على مدى عدة اشهر،‮ ‬تقدم ادلة اخرى على ان عدوانهم على العراق كانت له اهداف وجذور تاريخية من اجل اسرائيل ومن اجل مصالحهم الاقتصادية‮.‬




محاولة تضليل الرئيس
وقد حاول الاميركان تضليل الرئيس بالاهتمام الزائد به،‮ ‬عندما كثفوا العناية الطبية له،‮ ‬وحمايته من الصفويين وهو داخل المعتقل،‮ ‬واثناء المحاكمة احيانا‮. ‬بالاضافة الى انهم سمحوا له بممارسة الرياضة،‮ ‬واحضروا له دراجة هوائية ثابتة،‮ ‬والاهتمام بدرجة حرارة‮ ‬غرفته‮... ‬وكان‮ ‬يسهب في‮ ‬الحديث عن هذه الامور عندما نلتقي‮ ‬منفردين‮.‬
ثم في‮ ‬بداية الاعتقال حاول الامريكان ايهامه ان الحراس الموجودين من حوله،‮ ‬والذين‮ ‬يرتدون ملابس المارينز،‮ ‬هم من جنود المارينز،‮ ‬وكانوا في‮ ‬حقيقة الامر من جهاز المخابرات الاميركية‮. ‬كانت معاملتهم للرئيس تتراوح بين الشدة واللين،‮ ‬وكانوا‮ ‬يدعونه احيانا‮ ‬VIC‮ ‬كمقدمة قبل النطق باسمه‮. ‬وعندما استفسر الرئيس عن المقصود بهذه العبارة قالوا‮: ‬very important criminal‮ ‬اي‮ ‬مجرم مهم جدا‮. ‬يقول الرئيس‮:‬
‮»‬كانوا‮ ‬يسألونني‮ ‬اسئلة كثيرة،‮ ‬بعضها اسئلة ذكية،‮ ‬وتدور بيني‮ ‬وبينهم احاديث متشعبة‮. ‬كنت اتعامل معهم بشيء من الحذر‮. ‬وكنت ادرك ان هذه الاسئلة من صياغة المخابرات الاميركية ومكتب التحقيقات الفدرالي،‮ ‬من خلال المحققين الذين بقوا لمدة تقارب السبعة اشهر من التحقيقات المتواصلة معي‮ ‬في‮ ‬المعتقل‮. ‬لكن فاتهم انني‮ ‬كنت مدركا ان مثل هذه الاسئلة لا اجوبة لها الدنيا‮«.‬
وعندما سألته ان كان‮ ‬يعتقد ان هؤلاء كانوا مجرد جنود وضباط مارينز،‮ ‬اجابني‮ ‬ضاحكا‮: »‬ما عليك‮ ‬يا ابا علاء‮.. ‬فهذه‮ (‬شغلتنا‮) ‬وانا واع لالاعيبهم‮«!‬
اما ما نسب لأحد هؤلاء المحققين الاميركان من ان الرئيس طلب منه التحدث الى الممرضة التي‮ ‬تشرف على رعايته الطبية فهذا كلام‮ ‬غير دقيق‮. ‬فالمقربون من الرئيس‮ ‬يعرفون انه صاحب نكتة وشخصيته مرحة ويحب ان‮ ‬يداعب الجميع بالاضافة الى انه‮ ‬يحترم كل من حوله حتى الجنود والضباط حراسه‮. ‬وكان‮ ‬يقول‮: ‬انا احترم انسانيتهم وآدميتهم فهؤلاء مكلفون وما عليهم سوى تنفيذ الاوامر‮.‬
وحول احتمال اغتياله داخل المعتقل كان الرئيس‮ ‬يقول‮: ‬يا ولدي‮ ‬ابو علاء لو كان الاميركان‮ ‬يريدون قتلي‮ ‬لقتلوني‮ ‬في‮ ‬اول لحظة ألقوا فيها القبض علي،‮ ‬لكنهم‮ ‬يريدون ابقائي‮ ‬حيا كي‮ ‬يخيفوا بي‮ ‬ايران واتباعها في‮ ‬الحكومة المعينة‮.‬




أسلحة الدمار الشامل
قال جيمي‮ ‬كارتر ان‮ ‬غزو العراق لم‮ ‬يكن للأسباب التي‮ ‬اعلنت،‮ ‬وإنما لان صدام حسين ضرب اسرائيل تسعة وثلاثين صاروخا‮.‬
وقال الخبير السويدي‮ ‬هانز بليكس في‮ ‬الاسبوع الثالث من الغزو،‮ ‬ان لديه من الشواهد ما‮ ‬يدل على ان هذه الحرب قد تم تدبيرها من مدة طويلة،‮ ‬ولم تأت كرد فعل لتطورات،‮ ‬او بسبب اعتبارات التفتيش بل لو كان لاسلحة الدمار اي‮ ‬دخل في‮ ‬هذه الحرب،‮ ‬فلا تغدو ان تكون في‮ ‬المرتبة الرابعة من الاسباب الحقيقية لها‮. ‬فالهدف الواضح هو تغيير النظام سواء وجدت في‮ ‬العراق اسلحة دمار ام لم توجد‮..‬
ومثلها شهادة الخبير الاميركي‮ ‬ديفيد كي،‮ ‬الخبير بأسلحة الدمار الشامل،‮ ‬التي‮ ‬صرح بها قبل الحرب،‮ ‬وكان كي‮ ‬اهم عنصر في‮ ‬فرق التفتيش سيئة الصيت،‮ ‬حيث نفى ان‮ ‬يكون في‮ ‬العراق اسلحة تدمير شامل‮.‬
وقد كشف مسؤول الادارة في‮ ‬الجهة المسؤولة عن اسلحة الدمار الشامل في‮ ‬وزارة الخارجية الاميركية كذبة الادعاء بأن العراق استورد اليورانيوم من دولة افريقية‮.. ‬وقال جريج ثيلمان بأن الادارة الاميركية تلاعبت في‮ ‬تقرير المخابرات الاميركية حول العراق وزورته بقصد اهدافها في‮ ‬العراق،‮ ‬وان ادارته درست ذاك الملف،‮ ‬ووجدت ان الوثائق المقدمة الى وزارة الخارجية كلها مزورة،‮ ‬فحذر رؤساءه في‮ ‬الخارجية لكي‮ ‬لا‮ ‬يقعوا في‮ ‬مصيدة التزوير‮.‬
‮(‬من مذكرات الرئيس صدام حسين في‮ ‬المعتقل‮)‬





صادق أحد الضباط الاميركيين الذي‮ ‬أجهش بالبكاء لدى نقل الرئيس العراقي‮ ‬الى معتقل آخر
تعرّض صدام للتعذيب إثر اعتقاله من الأميركيين فقال لهم‮: ‬ستخلقون فوضى وأجيالاً‮ ‬من الارهابيين
اتّهموا خليل الدليمي‮ ‬بأنه سرّب لصدام ساعة فيها جهاز تسجيل الكتروني‮ ‬لأنه كان‮ ‬يناديه‮: ‬سيدي
كان المكتب الوحيد لهيئة الدفاع في‮ ‬العراق‮ ‬يقع في‮ ‬مدينة الرمادي‮. ‬وكان سكني،‮ ‬وبسبب قضية الدفاع عن الرئيس،‮ ‬يقع خارج المدينة لما توفره العشيرة والقبيلة من أمن وحماية لأفرادها حيث‮ ‬يصعب على فرق الموت اختراقها‮. ‬وكان لا بد لي‮ ‬ان اذهب‮ ‬يوميا الى مدينة الرمادي‮ ‬التي‮ ‬يعرف أهلها حجم المعاناة وخطورة الوصول من خارج المدينة الى داخلها‮. ‬ويحيط بالمدينة من جهاتها الثلاث نهر الفرات وناظم الورار الذي‮ ‬يصب في‮ ‬خزان الحبانية من جهة الجنوب والجنوب الشرقي‮ ‬للمدينة‮. ‬وفي‮ ‬مداخلها التي‮ ‬تحيط بالمدينة من ثلاث جهات،‮ ‬توجد حواجز عسكرية بالغة التعقيد والحساسية تديرها قوات ما‮ ‬يسمى بمغاوير الداخلية المعروفين بنزعتهم الطائفية،‮ ‬ثم قوات الاحتلال الاميركي‮.‬
كنت مضطراً‮ ‬ان اذهب الى المدينة كل‮ ‬يوم والى مقر الهيئة بالتحديد لاستلام البريد من عمّان من المكتب الرئيسي‮ ‬للهيئة،‮ ‬ومن النقابة والمحكمة وغيرها،‮ ‬ومن ثم الاجابة على البريد‮.‬



الحواجز الاميركية
اليوم السبت من شهر آذار‮ ‬2005،‮ ‬والساعة التاسعة صباحا‮. ‬كنت اقود سيارتي‮ ‬امام الحاجز الرئيسي‮ ‬من جهة شمال مدينة الرمادي‮ ‬على جسر الجزيرة،‮ ‬استوقفني‮ ‬جندي‮ ‬مارينز أميركي،‮ ‬وأشار لي‮ ‬بالنزول لتفتيش السيارة وتفتيشي‮. ‬عندها تقدم مني‮ ‬احد عناصر مغاوير الداخلية وفتشني‮ ‬بدقة وطلب مني‮ ‬هويتي‮ ‬الشخصية‮.‬
كان‮ ‬يحدق بي‮ ‬رغم انني‮ ‬حتى تلك اللحظة لم أكن قد تعاملت مع وسائل الاعلام‮. ‬ثم طلب مني‮ ‬الافصاح عن نفسي‮ ‬بعد ان قرأ في‮ ‬جواز سفري‮ ‬انني‮ ‬دخلت الاراضي‮ ‬السورية والاردنية‮. ‬ورفضت الكلام الا امام الضابط الاميركي‮ ‬فقط،‮ ‬والا فانني‮ ‬اعرف مصيري‮.‬
أدخلوني‮ ‬الى مكتب الضابط الاميركي‮ ‬الذي‮ ‬طلب مني‮ ‬الجلوس امام جهاز الفحص،‮ ‬ثم سألني‮ ‬عمن أكون‮. ‬فأجبته‮: ‬لن أتكلم حتى‮ ‬يخرج كل هؤلاء من منتسبي‮ ‬الداخلية‮. ‬طلب منهم الضابط الخروج،‮ ‬فخرجوا الا ضابط برتبة نقيب الذي‮ ‬كان‮ ‬يبدي‮ ‬اهتماما كثيرا بمعرفتي‮. ‬فطلبت ان‮ ‬يخرج هذا الضابط،‮ ‬فصرخ به احد الجنود الاميركان،‮ ‬فخرج الضابط خائفا‮.‬
كشفت له عن هويتي‮ ‬التي‮ ‬لا اريد ان‮ ‬يعرف بها احد وخاصة هؤلاء من فيلق بدر‮. ‬وعلى الفور،‮ ‬اتصل بالقائد‮ ‬الاميركي‮ ‬الذي‮ ‬طلب احضاري‮ ‬فوراً‮ ‬مع توصية بمعاملتي‮ ‬بطريقة جيدة‮. ‬أخذوني‮ ‬بعربة الهامفي‮ ‬وعصبوا عيني،‮ ‬الى حيث القائد الاميركي‮.‬
بقيت انتظر في‮ ‬الغرفة الملاصقة لغرفة ذاك القائد،‮ ‬معصوب العينين،‮ ‬ربما لوجود احد العملاء الذي‮ ‬كان‮ ‬يدلي‮ ‬بمعلومات عن المقاومة،‮ ‬وهذا ما اكتشفته حين خرج هذا العميل من مكتب القائد الاميركي‮. ‬وحين كشفوا عن عيني،‮ ‬شاهدت العميل خارجاً‮ ‬من المكتب‮.‬
رحب القائد الاميركي‮ ‬بي،‮ ‬وطلب مني‮ ‬وثيقة تثبت انني‮ ‬خليل الدليمي،‮ ‬رئيس هيئة الدفاع عن الرئيس‮. ‬لم أكن أحمل اية وثيقة تثبت ذلك،‮ ‬فقلت له اما ان تتصل بنقابة المحامين العراقيين أو بقائد المعتقل الذي‮ ‬فيه الرئيس صدام حسين او بالسفير الأميركي‮. ‬ولأن الوقت قد شارف على الرابعة عصراً،‮ ‬ودوام النقابة قد انتهى،‮ ‬فانه قام بالاتصال بالسفير الاميركي‮ ‬الذي‮ ‬أكد كلامي،‮ ‬فقام القائد الأميركي‮ ‬بالاعتذار وطلب أن أتناول وجبة الغداء معه،‮ ‬فاعتذرت ثم ان الوقت المسموح به للتجوال قد اقترب من نهايته،‮ ‬فطلب من احد الضباط مرافقتي‮ ‬حتى النقطة التي‮ ‬جئت منها،‮ ‬فرفضت،‮ ‬اذ ماذا اقول للناس الذين سيشاهدونني‮ ‬مع الاميركان،‮ ‬خاصة والغالبية العظمى من الناس لا تعرف مهمتي،‮ ‬لكنني‮ ‬اضطررت مرغماً‮ ‬السماح لهم بايصالي‮ ‬الى تلك النقطة‮.‬





ساعة الرئيس اليدوية
في‮ ‬احد اللقاءات،‮ ‬طلب الرئيس ان أتصل بعائلته لترسل له بعض الملابس الشتوية‮. ‬فقامت العائلة بإرسال الملابس ونظارات شمسية وساعة‮ ‬يدوية وثلاث علب سيجار‮. ‬قمت بتسليمها للرئيس بعد ان تفقدها الكولونيل ستيل‮. ‬شكرني‮ ‬الرئيس،‮ ‬ثم اعطاني‮ ‬ساعته القديمة امام قائد المعتقل واجهزة المراقبة الالكترونية،‮ ‬وطلب مني‮ ‬اصلاحها واعادتها له‮. ‬رجعت الى المنطقة الخضراء حيث أمكث وزملائي‮ ‬في‮ ‬احد القصور الرئاسية استعداداً‮ ‬للحضور الى المحكمة في‮ ‬اليوم التالي‮. ‬قمت بفحص الساعة وكانت متوقفة،‮ ‬وبعد ان تأكد لي‮ ‬انها تعمل جيداً،‮ ‬أعدتها للرئيس في‮ ‬لقاء بعد الجلسة في‮ ‬اليوم التالي‮. ‬هنا تدخل الجانب الاميركي‮ ‬الذي‮ ‬كان‮ ‬يراقب اللقاء الكترونيا،‮ ‬ودخل الضابط من قسم المارشال‮ (‬الشرطة العسكرية الاميركية‮)‬،‮ ‬وكان‮ ‬يرتدي‮ ‬ملابس مدنية،‮ ‬طويل القامة،‮ ‬ويشبه وزملاؤه من قوة المارشال المتواجدين في‮ ‬المحكمة الى حد كبير،‮ ‬العراقيين او الشرقيين بشكل عام،‮ ‬ويبدو أنهم اختيروا على هذا الاساس كي‮ ‬يظهروا امام الكاميرات في‮ ‬المحكمة وكأنهم عراقيون ربما لاعطاء انطباع للعالم بأن المحكمة‮ ‬يديرها عراقيون وان الاميركان لا‮ ‬يتدخلون فيها‮.‬
قلت لهذا الضابط ان بامكانه ان‮ ‬يتأكد من قائد المعتقل بأنني‮ ‬استلمت الساعة من الرئيس‮. ‬ثم قصصت عليه قصة الساعة،‮ ‬وانني‮ ‬دخلت المنطقة الخضراء وفتشت بدقة،‮ ‬فضلاً‮ ‬عن حواجز التفتيش الثلاثة الموجودة قبل الدخول الى المحكمة،‮ ‬بأجهزتها المتناهية الدقة ومنها الحاجز الأول الأميركي‮ ‬والثاني‮ ‬الحكومي‮ ‬والثالث الجورجي‮. ‬وأن الساعة كانت معي،‮ ‬ولا‮ ‬يمكن لي‮ ‬اعادة صناعة هذه الساعة في‮ ‬هذه الاماكن‮. ‬فاقتنع،‮ ‬وطلب ألا أعطي‮ ‬الرئيس أي‮ ‬شيء الا بموافقتهم‮.‬
أخذ الضابط الساعة،‮ ‬ويبدو أنه اعطاها للقضاة الذين قاموا بدورهم بتسليمها لأحد ضباط المخابرات الاميركية من العراقيين الذين‮ ‬يحملون الجنسية الأميركية،‮ ‬ويعمل مستشارا في‮ ‬السفارة الاميركية،‮ ‬وتعتمد عليه كل الاطراف في‮ ‬المحكمة،‮ ‬وهو الذي‮ ‬جاهد لاختراق عملنا في‮ ‬عمان من خلال البريد الالكتروني‮.‬
في‮ ‬اليوم التالي‮ ‬للمحاكمة،‮ ‬جاء هذا المستشار وطلب التحدث معي‮ ‬منفرداً‮. ‬ذهبت بضعة امتار معه داخل بناية المحكمة‮. ‬قال لي‮: ‬أستاذ خليل،‮ ‬انني‮ ‬أكنّ‮ ‬لك كل الاحترام،‮ ‬وأنا حريص عليك رغم أنك حذر مني،‮ ‬يا أستاذ خليل،‮ ‬أنت ستذهب‮ (‬بداهية‮)‬،‮ ‬تساءلت عما ستكون هذه الداهية‮. ‬قال‮: ‬أنت أعطيت ساعة الى صدام فيها جهاز تسجيل الكتروني،‮ ‬وأنت تعرف ان هذا‮ ‬يعد خرقا فاضحا لمهنتك‮. ‬لكن سأحاول مساعدتك والوقوف الى‮ ‬جانبك إن تخليت عن كلمة سيدي‮ ‬لصدام‮. ‬قلت له‮: ‬هل الساعة معك ام أرسلت الى طهران لوضع جهاز التسجيل فيها،‮ ‬وأنا لا أخضع للابتزاز‮.‬
وتركته وأخبرت الكابتن مايكل ماكوي‮ ‬الذي‮ ‬قال ان من‮ ‬يسيء الى المحامين،‮ ‬فانني‮ ‬سأسحق رأسه‮. ‬وأحضر الساعة‮.. ‬وهذا نزر‮ ‬يسير مما كنت أتعرض له من مضايقات وضغوط‮.‬





كيف عاملوا الرئيس الأسير
أصدرت محكمة بروكسل الشعبية بيانا‮ ‬يتعلق باغتيال المحامين الذين لهم علاقة بمحاكمة الرئيس صدام حسين ومنهم خميس العبيدي‮ ‬وسعدون الجنابي‮ ‬وعادل ازبيدي‮ ‬ومحاولة اغتيال المحامي‮ ‬ثامر الخزاعي‮. ‬وعدد البيان المخالفات التي‮ ‬ترتكب بحق الرئيس صدام حسين في‮ ‬المحكمة المهزلة‮. ‬ومما جاء في‮ ‬البيان‮:‬
‮»‬يجب علينا ان نثبت حقيقة ان السيد صدام حسين هو أسير حرب لانه كان القائد العام للقوات المسلحة العراقية خلال الحرب التي‮ ‬قامت بها الولايات المتحدة ضد العراق‮. ‬وكأسير حرب فهو‮ ‬يتمتع بالحقوق التي‮ ‬تنص عليها بنود اتفاقية جنيف لعام‮ ‬1949والبروتوكول الأول المضاف الملحق باتفاقية جنيف،‮ ‬وبكل ما‮ ‬يتضمنه القانون الانساني‮ ‬المتعارف عليه من حقوق متعلقة باحتجاز أسرى الحرب‮. ‬والملاحظة المهمة في‮ ‬قضية احتجاز السيد حسين،‮ ‬ان استمرار احتجازه كسجين‮ ‬يتعارض مع الفقرة‮ ‬22‮ ‬من اتفاقية جنيف الثالثة التي‮ ‬تقضي‮ ‬بعدم جواز احتجاز الاسرى وعزلهم الا اذا كان ذلك في‮ ‬مصلحة اسرى الحرب انفسهم ويبدو ان احتجاز السيد حسين وعزله هو مخالفة صريحة للبند‮ ‬22‮ ‬من الاتفاقية بالاضافة الى ذلك،‮ ‬فنحن نتساءل في‮ ‬ما اذا وجدت انتهاكات للحقوق المنصوص عليها في‮ ‬البنود‮ ‬25‮- ‬26‮- ‬27‮ ‬من الاتفاقية في‮ ‬ما‮ ‬يتعلق بالشروط الاخرى،‮ ‬وفي‮ ‬ضوء ذلك،‮ ‬فاننا نطالب السلطات المسؤولة عن المعتقلات السماح للجنة الصليب الاحمر الدوليةوللهيئات والمنظمات المماثلة لها التحقق التام‮ ‬من الشروط الواجب توافرها في‮ ‬المعتقل ويبدو بشكل واضح ان الولايات المتحدة تسيطر سيطرة كاملة على المعتقل الذي‮ ‬يوجد فيه السيد حسين‮.‬
ويستعرض البيان المنشور على موقع محمكة بروكسل المخالفات التي‮ ‬كانت ترتكب في‮ ‬حق الرئيس صدام حسين،‮ ‬ويختتمه بنداء‮: »‬رجاء ارفعوا اصواتكم ضد التجاوزات المستمرة للقواعد الدولية الواجب توافرها في‮ ‬محاكمة السيد صدام حسين‮«‬
لذلك وفقا لاتفاقيات جنيف فان الرئيس صدام حسين‮ ‬يعتبراسير حرب وهذا ما اعلنه الاميركان حين القوا القبض عليه‮. ‬لكن كيف عومل الرئيس بعد الاعتقال وفقا لهذه الاتفاقيات؟
توجهت بسؤالي‮ ‬هذا الى الرئيس فقال‮:‬
اني‮ ‬لاعجب‮ ‬يا ولدي‮ ‬كيف‮ ‬يتكلم هؤلاء عن الديمقراطية وحقوق الانسان فقبل مجيئك في‮ ‬المقابلة الاولى،‮ ‬تعاملوا معي‮ ‬بقسوة شديدة،‮ ‬ومنذ اليوم الاول لاعتقالي،‮ ‬قلت لهم ستخلقون فوضى في‮ ‬المنطقة،‮ ‬واجيالا جديدة من الارهابيين بسبب حربكم‮ ‬غير القانونية على العراق،‮ ‬لقد عذبوني‮ ‬بشدة،‮ ‬وضربوني‮ ‬ضربا مبرحا اضر باجزاء من جسمي‮ ‬من جراء الكدمات والرضوض وخاصة في‮ ‬ساقي،‮ ‬بعضها شفيت منه بعد فترة من العلاج تراوحت اكثر من ستة اشهر،‮ ‬والبعض الآخر بعد ثلاثة اشهر‮. ‬هؤلاء الهمجيون لا‮ ‬يمتون للانسانية بصلة‮. ‬لقد حاولوا بشتى الطرق الاساءة لي‮ ‬وايذائي‮ ‬نفسيا،‮ ‬لكن قوة عزيمتي‮ ‬وايماني‮ ‬بالله،‮ ‬منحاني‮ ‬صبرا لا حدود له‮.‬
كنت اعاني‮ ‬من طول شعر رأسي‮ ‬وذقني،‮ ‬لانهم حلقوا شعري‮ ‬مرة واحدة منذ اعتقالي‮ ‬بواسطة ماكنة حلاقة سببت لي‮ ‬حساسية في‮ ‬الوجه والرقبة‮. ‬وكنت قد طلبت منهم مقصا صغيرا لتشذيب ذقني،‮ ‬لكنهم رفضوا ثم عادوا بعد فترة ليقولوا انهم وافقوا مبدئيا على طلبي‮ ‬على ان‮ ‬يأخذوا اولا موافقة المراجع،‮ ‬واستمرت مداولاتهم لاكثر من شهر،‮ ‬وكانت النتيجة ان المراجع رفضت طلبي،‮ ‬كانوا‮ ‬يخافون ان اقوم بذبح نفسي،‮ ‬ولو اردت الانتحار لفعلتها قبل ذلك،‮ ‬وقلت لهم ان ديننا العظيم‮ ‬يحرم ذلك،‮ ‬ثم ليس صدام حسين من‮ ‬ينتحر‮. ‬وفي‮ ‬احدى المرات التي‮ ‬طلبت فيها المقص،‮ ‬قلت لهم ليقف احد الحراس بالقرب مني‮ ‬اذا كنتم تخافون على حياتي‮ ‬من هذا المقص‮. ‬لديهم روتين قاتل‮: ‬فعندما اطلب شيئا،‮ ‬فان تنفيذه‮ ‬يتطلب وقتا طويلا‮.‬
لكن تغيرت معاملتهم لي‮ ‬بعد زيارتك الاولى بعد ان هددتهم انت استاذ خليل بفضحهم في‮ ‬وسائل الاعلام فهم لا‮ ‬يريدون ان‮ ‬يطلع العالم على حقيقة وجههم البشع‮. ‬فبدأوا‮ ‬يعاملونني‮ ‬بطريقة افضل بعد ان طلبت انت منهم ان‮ ‬يحلقوا شعري‮ ‬وذقني‮ ‬بحضورك ثم بدأوا‮ ‬يحضرون حلاقا كل فترة‮. ‬وفي‮ ‬احدى المرات،‮ ‬مزحت مع احد الضباط،‮ ‬فقلت له‮: ‬لم لا تترك المقص عندي‮ ‬لارتب نفسي،‮ ‬واعدك بالا انتحر،‮ ‬فاذا خشيتم ان اضرب احد جنودكم فهذا‮ ‬غير وارد فانا قائد ورئيس اسير ولا استخدم‮ ‬يدي‮ ‬الا في‮ ‬حالة واحدة وهي‮ ‬اذا زارني‮ ‬بوش،‮ ‬ولن اعطيه الامان،‮ ‬عندئذ عليكم ان تنتبهوا لانني‮ ‬قد اضربه،‮ ‬فهو عدوي‮. ‬ثم قلت‮: ‬دعوه‮ ‬يأتي‮ ‬ولاتخافوا عليه‮.‬
كان استعمال دورة المياه مأساة،‮ ‬فقد تعمدوا اغراق الحمام لكي‮ ‬تكون عبادتي‮ ‬ناقصة من دون وضوء،‮ ‬بالاضافة الى ان الحمام من دون باب،‮ ‬والحارس‮ ‬يشرف علي‮ ‬عند استخدامي‮ ‬الحمام من دون وجود ستارة،‮ ‬انها حضارتهم وديمقراطيتهم وانسايتهم التي‮ ‬يتشدقون انهم اتوا بها للعراق‮. ‬كانوا‮ ‬يحاولون ازعاجي‮ ‬بشتى الطرق‮.‬
اما عن الطعام فاقول انني‮ ‬لست شرها،‮ ‬وفي‮ ‬بداية اعتقالي،‮ ‬قدموا لي‮ ‬الطعام بطريقة‮ ‬غير لائقة،‮ ‬اي‮ ‬من تحت الباب،‮ ‬فرفضته وامتنعت عن تناوله‮. ‬ثم بعدها بدأوا‮ ‬يحضرونه قائلين انها من وجبات الجيش الاميركي‮ ‬الذي‮ ‬لم اتعود عليه،‮ ‬كان لدي‮ ‬مشكلة في‮ ‬شهر رمضان،‮ ‬اذ كانوا‮ ‬يتعمدون تأخير جلب الطعام حتى تنتهي‮ ‬فترة السحور كي‮ ‬يجبروني‮ ‬على الافطار،‮ ‬ثم‮ ‬يؤخرون جلب طعام الافطار للغرض نفسه‮. ‬ولم‮ ‬يحضروا لي‮ ‬تمرا ونحن بلد التمر‮. ‬والمسلم عادة‮ ‬يبدأ افطاره بتناول التمر‮.‬
تسألونني‮ ‬عن الصحف ان كانت تصلني‮ ‬او ان كنت استمع للاخبار‮. ‬انني‮ ‬لاعرف ما‮ ‬يدور في‮ ‬الخارج لانني‮ ‬معزول تماما عن العالم‮. ‬فهم‮ ‬يمنعون عني‮ ‬كل وسائل الاعلام بشكل متعمد‮. ‬تصوروا من‮ ‬يصدق ان اميركا تمنع الراديو والتلفزيون والصحف عن صدام حسين؟
بعد فترة طويلة من اعتقالي،‮ ‬بدأت علاقتي‮ ‬ببعض الحراس تتحسن حين لاحظت انهم‮ ‬يتقربون مني،‮ ‬ويسألونني‮ ‬في‮ ‬امور كثيرة‮. ‬فوجدت بانهم مهنيون وليسوا سياسيين،‮ ‬وحين كنت احدثهم عن بلدي‮ ‬وشعبي،‮ ‬كانت تبدو على وجوههم علامات التعجب وذلك لان ساستهم خدعوهم،‮ ‬وفي‮ ‬احدى المرات،‮ ‬قال لي‮ ‬احدهم ان بوش خدعهم وهو كذاب وعندما بدأت اواصر العلاقة تتوطد بيني‮ ‬وبينهم،‮ ‬كان قادتهم سرعان ما‮ ‬يستبدلونهم‮. ‬حين كانت تأتي‮ ‬مجموعة جديدة لحراستي،‮ ‬كنت اقول لهم لا عداوة لي‮ ‬مع الشعب الاميركي‮ ‬وانما مع الحكومة وقد‮ ‬يخرج‮ ‬يوما احد اعضاء هذه الحكومة ليقول الحقيقة‮.‬
اذكر في‮ ‬احد الايام،‮ ‬اخرجوني‮ ‬قرب بحيرة النور‮. ‬وفجأة سقط صاروخ اطلقه ابطال المقاومة باتجاه البحيرة،‮ ‬جاء الحرس مسرعين واصطحبوني‮ ‬الى الداخل خشية علي‮ ‬كما قالوا،‮ ‬لكنني‮ ‬كنت سعيدا بهذا الصاروخ،‮ ‬وقلت لا تخشوا عليه من شعبي‮. ‬ان هؤلاء مجبرون على اطاعة اوامر قادتهم‮. ‬وقد كنا احيانا نتبادل الاحاديث،‮ ‬فاجدهم ممتعضين من كذب حكومتهم وتصرفاتها،‮ ‬وكانوا‮ ‬يصرحون بأنهم‮ ‬غيرراضين عن‮ ‬غزو العراق ومقتل زملائهم،‮ ‬وكانوا‮ ‬يحنون الى وطنهم وعوائلهم‮.‬
وفي‮ ‬يوم آخر،‮ ‬وكنت متوجها لمقابلتك هنا،‮ ‬اخبروني‮ ‬انني‮ ‬اذا تعرضت لعملية ارهابية فانهم سيحمونني‮ ‬باجسادهم،‮ ‬وقلت مرة ثانية لا تخافوا علي‮ ‬من شعبي‮. ‬وقلت لهم عندما‮ ‬يتحرر العراق وتعودون الى بلدكم اميركا وتعود الحياة الى العراق،‮ ‬فانني‮ ‬سأدعوكم لزيارتنا،‮ ‬وقد فرحوا بذلك ووعدوا بتلبية الدعوة‮..‬
عندما كنت اضرب عن الطعام،‮ ‬لسبب ما،‮ ‬كانوا‮ ‬يحاولون اقناعي‮ ‬بالعدول عن الاضراب،‮ ‬واذا عجزوا كانوا‮ ‬يقولون سنستدعي‮ ‬محاميك،‮ ‬ويقصدونك انت،‮ ‬فهو الوحيد القادر على اقناعك،‮ ‬وفعلا‮ ‬عندما كنت تأتي،‮ ‬كانوا‮ ‬يطلبون منك اقناعي‮.‬
كان البعض منهم‮ ‬يطلب توقيعي‮ ‬ليحتفظ به،‮ ‬وشاهدت عددا منهم‮ ‬يختزن صوري‮ ‬على هواتفهم المحمولة‮. ‬وذات‮ ‬يوم جاءني‮ ‬احد الضباط الاميركان،‮ ‬وهو الذي‮ ‬طلب منك رفع مذكرة الى قائد القوات الاميركية طالبا عدم نقله‮. ‬فقد كان‮ ‬يحبني‮ ‬كثيرا ويخدمني‮ ‬بصدق،‮ ‬جاءني‮ ‬هذا الضابط والدموع في‮ ‬عينيه وقال انهم سينقلونه الى مكان آخر،‮ ‬وقال‮: ‬لا اريد ان اكون بعيدا عنك ثم حين صدر قرار نقله،‮ ‬جاء اليّ‮ ‬وعانقني‮ ‬واجهش بالبكاء بصوت عال لدرجة اثرت فيّ‮.‬
وهكذا،‮ ‬كلما توطدت علاقتي‮ ‬بحراسي،‮ ‬كانوا‮ ‬يستبدلونهم،‮ ‬وقد كانت المجموعة الاخيرة التي‮ ‬اتوا بها لحراستي‮ ‬سيئة،‮ ‬اذ كانوا‮ ‬يقومون باعمال استفزازية كالغناء بصوت عال،‮ ‬والرقص،‮ ‬واصدار الاصوات المزعجة وعمل دربكة بارجلهم على الارض لكن كل ذلك لم‮ ‬يفت في‮ ‬عضدي‮ ‬او‮ ‬يأخذ من عزيمتي‮. ‬واليوم،‮ ‬وبينما كنت في‮ ‬طريقي‮ ‬لهذه المقابلة،‮ ‬وبعد صعودي‮ ‬العربة العسكرية وضعوا حاجزا من الاسلاك بيني‮ ‬وبين الضابط والسائق،‮ ‬وكنت مقيدا بالاصفاد،‮ ‬برروا هذا خوفا من ان نتعرض لهجوم في‮ ‬الطريق،‮ ‬ومن ثم اهرب‮.. ‬تصوروا حالة الذعر والانهيار لديهم‮. ‬اثناء هذه التنقلات القصيرة،‮ ‬كنت اشاهد الاشجار والنخيل التي‮ ‬كنت اشرف على زراعتها ومتابعة سقايتها بنفسي،‮ ‬ووجدتها جافة ومهملة‮. ‬وقد تأثرت جدا وقلت فيها بعض الابيات المؤلمة‮.‬
عندما امتهّنا هذه الشغلة‮ (‬اي‮ ‬قول الشعر‮) ‬كان ذلك بسبب الوحدة‮ ‬فلا احد اكلمه ولا انيس‮. ‬وقد وجدت ان الشعر وحده‮ ‬يعبّر عن وجداننا‮.‬





الاضراب عن الطعام
‮»‬عندما اضربت عن الطعام بعد استشهاد المحامي‮ ‬خميس العبيدي‮ (‬21‮/‬6‮/‬2006‮)‬،‮ ‬جاءني‮ ‬اثنان من الاميركان،‮ ‬احدهما جنرال،‮ ‬وطلبا مني‮ ‬ان افك الاضراب‮. ‬ثم قالوا لي‮ ‬ان اعضاء القيادة سيضربون‮ ‬يوم الثامن من تموز‮. ‬قلت لهم احضروا لي‮ ‬رسالة تؤكد ذلك‮. ‬فأحضروا رسالة من طارق عزيز‮.‬
قررت بعدها ان اضرب مع زملائي،‮ ‬وقد كتبت اكثر من قصيدة منذ اليوم الاول للاضراب وحتى اليوم العشرين منه‮.. ‬كان الاميركان‮ ‬يراقبون حالتي‮ ‬الصحية صباحا ومساء‮. ‬وقد اجروا فحوصات لي‮ ‬في‮ ‬المستشفى،‮ ‬واجريت لي‮ ‬تغذية في‮ ‬الوريد ومن الانف كذلك‮. ‬وفي‮ ‬الاضراب الاول،‮ ‬وبالذات في‮ ‬اليوم الحادي‮ ‬والعشرين منه اخبرني‮ ‬الضابط انهم قلقون على صحتي‮. ‬كان واقفا بجانبي،‮ ‬وكان في‮ ‬الغرفة صندوق حديدي‮ ‬يحوي‮ ‬حاجياتي‮ ‬الشخصية،‮ ‬ووزنه ثقيل‮. ‬امسكت بالصندوق من حمالته ورفعته للاعلى،‮ ‬فاستغرب الضابط،‮ ‬والجماعة‮ (‬الاميركان‮) ‬مندهشون لان صدام حسين بعد اضراب عن الطعام كل هذه المدة،‮ ‬ما زال‮ ‬يضحك ويكتب الشعر ويمارس حياته بشكل طبيعي‮.‬
لقد تغيرت معاملتهم لي‮ ‬منذ الزيارة الاولى نحو الافضل‮. ‬وقد احضروا لي‮ ‬دراجة هوائية ثابتة استخدمها‮ ‬يوميا لعشرة او خمسة عشر كيلومترا‮. ‬والحمد لله،‮ ‬فإن صحتي‮ ‬جيدة‮. ‬حتى‮ ‬غرفتي،‮ ‬فإنهم‮ ‬يقيسون درجة حرارتها ورطوبتها مرتين في‮ ‬اليوم،‮ ‬ويجرون لي‮ ‬فحوصات مستمرة مرتين في‮ ‬اليوم احيانا حتى اخذت ارفض بعضها‮. ‬وللانصاف اقول ان الرعاية الصحية كانت ممتازة‮. ‬وانا ملتزم بتعليماتهم الطبية كوني‮ ‬متفرغا في‮ ‬المعتقل‮. ‬وقد اقترح علي‮ ‬الطبيب ان‮ ‬يجري‮ ‬لي‮ ‬فحص للبروستات،‮ ‬فرفضت لقناعتي‮ ‬بأن صحتي‮ ‬جيدة‮ (‬سالم مسلح‮)‬،‮ ‬وقلت مازحا اذا اراد شعبي‮ ‬ان اتزوج،‮ ‬فسأفعلها‮.‬
بعد استشهاد المحامي‮ ‬خميس العبيدي،‮ ‬قلت لن اتوقف عن اضرابي‮ ‬عن الطعام حتى‮ ‬يقتصوا من الجناة،‮ ‬وان‮ ‬يقوم الاميركان بحماية المحامين،‮ ‬وان‮ ‬يبلغني‮ ‬بذلك الاستاذ خليل او من‮ ‬يخوله في‮ ‬حالة استجابة الاميركان لطلبي‮.‬
كيف تلقى الرئيس نبأ استشهاد ولديه وحفيده
كان آخر اجتماع للرئيس بنجله قصي‮ ‬في‮ ‬11‮/‬4‮/‬2003،‮ ‬وكان الرئيس حينها ما‮ ‬يزال‮ ‬يرتدي‮ ‬بزته العسكرية،‮ ‬وقررا عندها الخروج من بغداد وتوزيع افراد الحماية بينهما‮. ‬وصادف ان التقيا بعدها في‮ ‬مضيف عائلة تعتبر من اهم العوائل العراقية في‮ ‬الجنوب الغربي‮ ‬من مدينة الرمادي‮. ‬لكن بعد قصف هذا الدار،‮ ‬تفرق الجميع كل الى حاله‮. ‬في‮ ‬تكريت،‮ ‬مسقط رأس الرئيس صدام حسين،‮ ‬نصحه بعض اقاربه من المخلصين بأن لا‮ ‬يجتمع ولداه في‮ ‬مكان واحد كي‮ ‬لا‮ ‬يكونا صيدا دسما لقوات الاحتلال‮. ‬ومن هؤلاء الفريق الاول الركن ماهر عبد رشيد الذي‮ ‬كان من اكثر المقربين للرئيس انتقادا لأي‮ ‬خطأ‮ ‬يحصل،‮ ‬وكان‮ ‬يقول رأيه بكل شجاعة،‮ ‬وخاصة ان قصي‮ ‬هو صهر هذا القائد الذي‮ ‬شهدت له ساحات الوغى صولات وجولات،‮ ‬فأحبه العراقيون وغرس هذه المحبة والاخلاص في‮ ‬نجله عبدالله‮.‬
توجه نجلا الرئيس الى ناحية العوجة‮. ‬وبينما كان عدي‮ ‬يمضي‮ ‬ليلته في‮ ‬بيت احد اقاربه،‮ ‬سمع صوت انفجارات في‮ ‬الغرف الاخرى للدار،‮ ‬فتبين له ان في‮ ‬الامر وشاية،‮ ‬فقرر وشقيقه قصي‮ ‬الخروج من محافظة صلاح الدين،‮ ‬بالاضافة الى عبد حمود السكرتير الشخصي‮ ‬للرئيس الذي‮ ‬كان الرئيس قد كلفه بالبقاء مع نجليه‮. ‬توجه الجميع صوب الحدود السورية،‮ ‬ونجحوا في‮ ‬العبور الى القرى السورية المحاذية للحدود بواسطة زعماء العشائر المخلصين للعراق‮.‬
كان شبح الحرب‮ ‬يهدد المنطقة كلها،‮ ‬ورائحة البارود والموت تتسرب من كل الزوايا،‮ ‬وانظار واشنطن وديك تشيني‮ ‬ورامسفيلد وبول وولفوفيتز تتجه الى سوريا طمعا بما تحقق لهم من نشوة نصر ظنوا انهم حققوه بعد‮ (‬سقوط‮) ‬بغداد اسيرة في‮ ‬ايدي‮ ‬قوات المارينز‮.‬
كانت سوريا تحاول دفع هذا الشر بكل الطرق كي‮ ‬تجنب شعبها والمنطقة مزيدا من الانهيار‮. ‬وعندما علمت السلطات السورية بدخول نجلي‮ ‬الرئيس صدام حسين وعبد حمود الى اراضيها،‮ ‬رحبت بقصي‮ ‬وعبد حمود،‮ ‬لكنها طلبت من عدي‮ ‬مغادرة الاراضي‮ ‬السورية،‮ ‬وله ان‮ ‬يختار الجهة التي‮ ‬يرغب فيها،‮ ‬والسبب انها تستطيع التستر على قصي‮ ‬ومرافقه لانها تعرف شخصية قصي‮. ‬اما عدي،‮ ‬فله اعداء كثيرون من العراقيين الذين دخلوا الى سوريا،‮ ‬فكانت تخشى عليه من هؤلاء وخاصة من اقاربه بسبب العداوات بينهم‮. ‬بالاضافة الى ان اميركا ستكون على علم بوجود عدي‮ ‬في‮ ‬الاراضي‮ ‬السورية،‮ ‬وبالتالي‮ ‬ستدفع سوريا ثمنا باهظا لهذا الثور الهائج،‮ ‬اميركا‮.‬
لكن قصي‮ ‬رفض مفارقة اخيه،‮ ‬ومن ثم عاد الثلاثة الى العراق،‮ ‬وقرروا البقاء في‮ ‬الموصل لما لقصي‮ ‬من علاقات ودية مع اهلها،‮ ‬وكان‮ ‬يحظى بمحبة واسعة من قادة الحرس الخاص وكبار القادة العسكريين من اهل الموصل،‮ ‬وللتنسيق مع قيادة عمليات المقاومة‮. ‬اما عبد حمود،‮ ‬وعند وصولهم الى الحدود،‮ ‬قرر العودة وترك عدي‮ ‬وقصي‮ ‬ليتخذا قرارهما‮. ‬فاختار الاخوان ومصطفى ابن قصي‮ ‬منزل احد الاشخاص ليكون مقرا شبه دائم لهم‮. ‬فكانت الوشاية اللعينة‮.‬





قصة الوشاية
يقول شاهد عيان‮ (‬ص‮)‬،‮ ‬وهو من الشخصيات المقربة للرئيس صدام حسين ويحظى باحترامه وعلى علاقة وطيدة مع قصي،‮ ‬راويا تفاصيل حادث استشهاد عدي‮ ‬وقصي‮ ‬ومصطفى‮:‬
في‮ ‬يوم‮ ‬5‮/‬4‮/‬2003،‮ ‬اصطحبنا السيد جمال مصطفى زوج حلا كريمة الرئيس صدام حسين الصغرى،‮ ‬انا وولدي‮ ‬الى كرفان قرب جامع ام الطبول،‮ ‬حيث التقينا‮ »‬قصي‮« ‬الذي‮ ‬كان برفقته كمال مصطفى وسكرتيره الدوري‮ ‬واثنين من الضباط‮. ‬وقد تم الاتفاق ان اترك ولدي‮ ‬معهم كدليل لهم للوصول الى الموقع الذي‮ ‬اخترناه لهم مع عوائلهم ان كانوا‮ ‬يرغبون،‮ ‬وكان ذلك بعلم الرئيس صدام حسين‮. ‬بعد اكثر من شهرين،‮ ‬فوجئت بذهاب قصي‮ ‬وعدي‮ ‬عند نواف الزيدان ومعهم مرافقوهم فلان وفلان اولاد فلان وابن اختهم فلان الذي‮ ‬استطاع الهرب في‮ ‬ما بعد مع نواف بالمبالغ‮ ‬التي‮ ‬كانت بحوزة قصي‮ ‬وعدي،‮ ‬وهو مبلغ‮ ‬كبير جدا،‮ ‬مع حقائب من المصوغات الذهبية،‮ ‬وكان‮ ‬يوجد شخص شاهد‮ ‬يترصد كل هذه الاموال مع الهاربين،‮ ‬وقد شوهد الشخصان نواف الزيدان واحد المرافقين لعدي‮ ‬وقصي‮ ‬يجتازان سياج الدار التي‮ ‬حدثت فيها الجريمة،‮ ‬وكان ارتفاع هذا السياج مترا ونصف المتر،‮ ‬وكانا‮ ‬يقومان برمي‮ ‬ثلاث حقائب مليئة بالاموال والمصوغات الذهبية،‮ ‬من السياج خلف الدار،‮ ‬وكان ذلك في‮ ‬فجر احد الايام‮. ‬ثم‮ ‬غادرا في‮ ‬السيارة التي‮ ‬كانت تنتظرهما‮. ‬بعد حين عاد المتهم الرئيسي‮ ‬نواف الى الديار‮ (‬داره‮) ‬بمفرده‮.. ‬كل ذلك قبل مجيء الاميركان‮.‬
في‮ ‬الساعة الثانية بعد منتصف الليلة التالية،‮ ‬ذهب المتهم الرئيسي‮ ‬نواف ومعه شقيقه،‮ ‬الى قائد القوات الاميركية في‮ ‬الموصل آنذاك ديفيد بتريوس،‮ ‬واخبره بأن‮ »‬عدي‮ ‬وقصي‮« ‬موجودان في‮ ‬داره‮. ‬كان في‮ ‬مكتب بتريوس احد شيوخ الموصل المقرب جدا من بتريوس ويتواجد ليليا عنده‮. ‬وقد روى هذا الشيخ‮ (‬نعتذر عن ذكر اسمه‮) ‬هذه القصة لاحد الشيوخ‮.‬
خرج الجميع بسيارة مدنية ليستطلعوا المكان‮. ‬ثم عاد بتريوس لوحده بعد ساعة ونصف بعد ان اعتذر لضيفه الذي‮ ‬قتل لاحقا على ايدي‮ ‬ابطال المقاومة‮.‬
بعد ذلك،‮ ‬خرج بتريوس بموكب من عربات الهامفي‮ ‬والمدرعات‮ ‬يتقدمهم المتهم الرئيسي‮ ‬نواف،‮ ‬وحين وصلوا الى داره،‮ ‬دخل نواف فوجد‮ »‬عدي‮ ‬وقصي‮ ‬ومصطفى‮« ‬نائمين‮: ‬فخرج ليشير بإصبعه الى الاعلى للاميركان ان الوضع‮ (‬اوكي‮)‬،‮ ‬ثم ذهب مع ولده‮ (‬ش‮) ‬وركبا في‮ ‬عربة همفي‮ ‬مكشوفة واضعا‮ (‬منشفة‮) ‬على كتفه،‮ ‬تاركا بيته للاميركيين ليتصرفوا كما‮ ‬يشاؤون‮.‬
يقول شاهد العيان‮ (‬ص‮): ‬دق جرس هاتفي،‮ ‬وكان المتحدث احد المجاورين للدار التي‮ ‬وقع فيها الحادث،‮ ‬طالبا مني‮ ‬انقاذهم‮ (‬عدي‮ ‬وقصي‮ ‬ومصطفى‮). ‬ذهبت مع مجموعة من الرجال لنجد ان المعركة قد ابتدأت،‮ ‬وقد سمعت الاميركان‮ ‬ينادون على عدي‮ ‬وقصي‮ ‬ومصطفى بضرورة تسليم انفسهم مقابل سلامتهم‮. ‬كان قصي‮ ‬يرد عليهم من احدى النوافذ بقاذفة‮ (‬ار بي‮ ‬جي7‮) ‬وبسلاح آخر‮. ‬ومن نافذة اخرى كان عدي‮ ‬يقاتلهم بقناصة‮. ‬اما مصطفى فكان‮ ‬يرمي‮ ‬عليهم من سطح الدار‮. ‬اما على الارض،‮ ‬فقد كانت الدار محاصرة بأكثر من‮ ‬20‮ ‬دبابة و20‮ ‬مدرعة واكثر من‮ ‬20‮ ‬عربة هامفي‮ ‬واكثر من طوق راجل‮. ‬ثم جاءت قوات من البيشمركة لتعزز موقف الاميركان،‮ ‬فاستحالت أية عملية لانقاذهم،‮ ‬وسمعنا بأنهم تمكنوا من قتل‮ ‬13‮ ‬اميركيا‮.‬
بعد ان تعقد الموقف،‮ ‬اطلقت القوات الاميركية صواريخ‮ ‬غازية،‮ ‬وفجروا الدار‮...‬
لم اكن اريد ان افتح جروحا جديدة،‮ ‬لكن جراح الرئيس صدام حسين والعراق لم تلتئم ولن،‮ ‬إلا بعد تحرير العراق من طغمة الاحتلال وأذنابه‮.. ‬كنت واثقا ان الرئيس اقوى من جراحه،‮ ‬وان الجرح الوحيد في‮ ‬قلبه هو العراق‮. ‬وهذا ما شجعني‮ ‬ان اسأله كيف سمع بنبأ استشهاد ولديه وحفيده،‮ ‬فقال‮:‬
‮»‬حين قررنا الاختفاء واللجوء الى العمل السري‮ ‬كما كنا نفعل عام‮ ‬1959،‮ ‬ايام النضال السري،‮ ‬كنت اطرق ابواب العراقيين وازورهم في‮ ‬بيوتهم‮.. ‬هاي‮ ‬السنين آني‮ ‬اشتغل كلها مع شعبي،‮ ‬واذا ما‮ ‬يحميني‮ ‬شعبي‮ ‬عدا عن حمايتي‮ ‬الشخصية،‮ ‬فوالله اكو خلل واكون ما سويت شي‮«.‬
في‮ ‬احد الايام من شهر تموز عام‮ ‬2003،‮ ‬كنت في‮ ‬دار احد العراقيين وقد احتفى بي‮ ‬كثيرا،‮ ‬لكنني‮ ‬قرأت في‮ ‬وجهه حيرة وارتباكا‮. ‬قال لي‮: ‬سيدي،‮ ‬انني‮ ‬متردد في‮ ‬ان اخبرك‮.. ‬قلت‮: ‬لا تتردد‮. ‬قال‮: ‬لقد استشهد عدي‮ ‬واعطاك عمره‮. ‬قلت وانا ابتسم‮: ‬عفية والحمد لله‮. ‬ثم تابع‮: ‬وكذلك قصي‮. ‬قلت‮: ‬عفيتين والحمد لله‮. ‬ثم قال‮: ‬سيدي،‮ ‬مصطفى ايضا استشهد‮. ‬فقلت‮: ‬ثلاث عفيات والحمد لله الذي‮ ‬شرفني‮ ‬بهؤلاء الابطال الذين استشهدوا في‮ ‬سبيل وطنهم،‮ ‬ولم‮ ‬يساوموا او‮ ‬يخونوا‮. ‬الحمد لله على قضائه وقدره‮. ‬انهم ابناء العراق حالهم هو حال من استشهد في‮ ‬سبيل العراق‮.‬
قبل ذلك،‮ ‬نصحني‮ ‬بعض القادة العسكريين والاقرباء وبعض العراقيين بألا‮ ‬يتواجد عدي‮ ‬وقصي‮ ‬سويا حتى لا اخسرهما مرة واحدة‮. ‬قلت آنذاك ان ما‮ ‬يريده الله سبحانه وتعالى هو الخير لنا جميعا،‮ ‬مناضلين وفدائيين في‮ ‬سبيل العراق،‮ ‬وانني‮ ‬احتسب اولادي‮ ‬وحفيدي‮ ‬عند الله وهم فداء للعراق‮. ‬لقد قاتلوا حتى اللحظات الاخيرة،‮ ‬ورفضوا الهروب‮.‬
لم‮ ‬يكن واردا في‮ ‬خاطرنا ولو للحظة واحدة ان نغادر العراق او نهرب كالجبناء بحثا عن حياة رخيصة،‮ ‬لاننا لا نعرف لانفسنا مكانا خارج تراب العراق العزيز‮..‬





أمطرت اثر وصول صدام الى السعودية فقال له الملك فهد‮: ‬يا ابا عدي‮ ‬حتى السماء استقبلتك بخيرها
أبدى للعاهل السعودي‮ ‬انزعاجه من الكويت مؤكداً‮ ‬ان‮ »‬العراق سيتكفّل بحماية السعودية ودول الخليج‮«‬
صدام أبلغ‮ ‬بريماكوف عزمه على قبول مبادرة زايد بالتنحي‮ ‬فقال له‮ : ‬سيدخل الأميركيون العراق بكَ‮ ‬أو بدونكَ
وتبقى هناك‮ ‬غصة في‮ ‬القلب بعد الذي‮ ‬جرى للعراق والسؤال اين زعماء الدول التي‮ ‬كان لها مصالح مشتركة مع العراق؟ اين القادة الدول العربية وما قيل عن التضامن العربي؟ لماذا صمتت الاغلبية وترك العراق‮ ‬يستباح ويذبح امام ملايين الشهود؟‮ ‬بعضهم‮ ‬غض الطرف والبعض الآخر ساهم في‮ ‬تدمير العراق خاصة والرئيس صدام حسين لم‮ ‬يقصر مع احد‮.‬
سألت الرئيس هل راهن على الموقف الدولي‮ ‬والعربي‮ ‬قبل الحرب،‮ ‬وهل‮ ‬توقع ان ترفع دولة ما صوتها لتقول ان ما تفعله اميركا هو الجنون بعينه؟
بالطبع‮ ‬يا ولدي،‮ ‬فنحن لا نعيش في‮ ‬جزيرة معزولين عن العالم‮. ‬والعراق‮ ‬يعتبر منطقة حيوية،‮ ‬بل ساحة للمصالح الدولية وليس لدولة واحدة فقط مهما عظمت كانت تربط العراق علاقات قوية ومتينة مع بعض الدول،‮ ‬وعلاقات مصالح مشروعة وكذلك معاهدة دفاع مشترك مع الاقطار العربية‮. ‬الا ان موقف الاتحاد السوفياتي‮ ‬من القضايا العربية،‮ ‬لم‮ ‬يكن بالمستوى المطلوب ثم ان روسيا من بعد،‮ ‬قصّرت كثيرا تجاه العراق والعرب،‮ ‬وكان عليها على الاقل حماية مصالحها في‮ ‬العراق‮.‬
صحيح ان انهيار الاتحاد السوفياتي،‮ ‬وما حصل من تداعيات جعل اميركا تتغطرس اكثر بصفتها القطب الاوحد في‮ ‬العالم،‮ ‬وان روسيا الان اضعف مما كانت عليه ضمن الكتلة السوفياتية،‮ ‬لكنها ما زالت ثاني‮ ‬قوة في‮ ‬العالم وبامكانها ان تفعل الكثير وتحمي‮ ‬مصالحها ومصالح المرتبطين معها بمعاهدات واتفاقيات‮.‬
اما دور فرنسا،‮ ‬فقد تأثر بموقف بعض الاطراف الغربية السائرة في‮ ‬ركب الولايات المتحدة بل ان فرنسا ابتعدت عن مواقفها التي‮ ‬كانت عليها ايام ديغول،‮ ‬واعتقد ان فرنسا بفعل انفراد اميركا بمصير العالم كقطب واحد،‮ ‬ستتعرض لتأثيرات السياسية الاميركية لحين بروز قطب اخر عملاق كالصين وتحالفاتها‮.‬
اذن نقول،‮ ‬لم‮ ‬يكن الموقف الدولي‮ ‬للاسف،‮ ‬بالمستوى المطلوب ولو بحدّه الادنى في‮ ‬منع وقوع العدوانين على العراق عام‮ ‬1991‮ ‬وعام‮ ‬2003‮ ‬لكنني‮ ‬اعتقد بعد ان تنهار الولايات المتحدة وستنهار باذن الله،‮ ‬ستظهر اوروبا الموحدة كقطب رئيسي‮ ‬مؤثر في‮ ‬السياسة الدولية له استقلاليته في‮ ‬المواقف على الساحة الدولية،‮ ‬فتتخلص بالتالي‮ ‬بعض الدول الاوروبية وتتحرر من التبعية للسياسة الاميركية‮.‬
قبل عام‮ ‬1990‮ ‬توقعت انهيار الاتحاد السوفياتي‮ ‬والكتلة الشرقية،‮ ‬وما‮ ‬ينجم عن ذلك من اختلال في‮ ‬موازين القوى،‮ ‬وتوقعت ان اميركا ستنفرد في‮ ‬السيطرة المنفلتة على العالم،‮ ‬وبسبب ذلك سيدفع العرب الثمن‮.‬
عدما كان المفتشون‮ ‬يجوبون العراق عرضا وطولا،‮ ‬كنا واثقين من عدم امتلاكنا اي‮ ‬شيء مما اعلنوا عنه وجاؤوا من اجله،‮ ‬ورغم قناعتنا انا واخواني‮ ‬في‮ ‬القيادة من ان هؤلاء المفتشين هم جواسيس لخدمة المخطط الاميركي‮ ‬الا اننا كنا نأمل من اخواننا العرب واصدقائنا مثل فرنسا وروسيا ودول مهمة في‮ ‬اوروبا واسيا،‮ ‬ان‮ ‬يكونوا مصدر عون لنصرة الحق ويحولوا دون نشوب الحرب او‮ ‬يساهموا على الاقل في‮ ‬نصح الاميركيين بالتعقل وعدم الانسياق وراءحماقاتهم،‮ ‬بالاضافة لذلك فان الرأي‮ ‬العام الدولي‮ ‬كان‮ ‬يرفض الحرب وخاصة في‮ ‬الدول الداعية للحرب ذاتها،‮ ‬مثل اميركا وبريطانيا وبعض الدول الاخرى فكنا نأمل من حكومة اميركا ان تتعقل وتأخذ هذا الرفض بعين الاعتبار وكنا كذلك نأمل ان تأخذ بعض الدول دورها لمنع وقوع الحرب لوجود مصالح لها مهمة في‮ ‬العراق مثل روسيا وفرنسا والصين وحتى اليابان لان العراق دولة مهمة وتمتلك ثاني‮ ‬اكبر احتياطي‮ ‬بترولي‮ ‬في‮ ‬العالم‮. ‬وعلى هذا الاساس ومن باب تنافس المصالح بين الدول كنا نأمل ان لا‮ ‬يتركوا الولايات المتحدة تنساق وراء جنون قيادتها وترتكب حماقة خطيرة ضد العراق،‮ ‬وبقي‮ ‬هذا الامل لدينا حتى بعد احتلال مدن مهمة في‮ ‬العراق،‮ ‬ووفقا لهذه المصالح الدولية،‮ ‬ولاهمية العراق،‮ ‬كان الاعتقاد بان الحرب لن تقع او انها على الاقل ستتأخر‮. ‬وان وقعت،‮ ‬فلن تتطور تطورا خطيرا وتصل الى ما وصلت اليه الان‮. ‬وقد تحسبنا لوقوعها وفق الخيارات والامكانات المتاحة لنا‮.‬
ما كان الرئيس صدام حسين‮ ‬يتوقع على ما‮ ‬يبدو ان تقدم الولايات المتحدة على احتلال العراق،‮ ‬رغم اعلان العراق انه مستعد لصد العدوان،‮ ‬ولعدم وجود اي‮ ‬مبرر‮ ‬يعطي‮ ‬ذريعة لاميركا للعدوان عليه خاصة وقد فتح ابوابه لكل المفتشين الجواسيس وغيرهم‮... ‬ورغم ذلك توقع كل الاحتمالات‮. ‬فمهما كانت قوة العراق،‮ ‬فلا‮ ‬يمكن لاي‮ ‬دولة من دول العالم الثالث ان تصد اقوى قوة في‮ ‬العالم واقوى جيش كان معدا لمواجهة الاتحاد السوفياتي،‮ ‬والعراق كان‮ ‬يرزح تحت حصار دام اكثر من ثلاثة عشر عاما،‮ ‬وتعرض قبله لعدوان واسع لاكثر من اربعين‮ ‬يوما عام‮ ‬1991،‮ ‬قادته الولايات المتحدة وشاركت فيه جيوش اكثر من خمس وعشرين دولة،‮ ‬كما تعرض لهجمات جوية‮ ‬يومية ولاربعة اعتداءات كبيرة من جانب القوات الاميركية والبريطانية في‮ ‬الفترة بين‮ ‬1991و2003‮ ‬فكيف ان له ان‮ ‬يواجه جيشا جرارا بقوة‮ ‬غير متكافئة نتيجة تلك الظروف‮ ‬ينقصه الكثير من الاسلحة المهمة كالقوة الجوية والرادار واسلحة مقاومة الطائرات والاتصالات وغيرها‮.‬
وكان الرئيس‮ ‬يتساءل باستمرار‮: ‬كيف‮ ‬يسمح المجتمع الدولي‮ ‬واصدقاؤنا للولايات المتحدة بضرب العراق،‮ ‬لا سيما وان كثيرا من مصالح هذه الدول موجودة في‮ ‬بلدنا،‮ ‬فضلا عن ان الولايات المتحدة تحتاج الى قرار من مجلس الامن الدولي‮ ‬للموافقة على ضرب العراق،‮ ‬وهل سيقف الاصدقاء الروس والصين وفرنسا موقف المتفرج؟
ويضيف الرئيس‮:‬
ان اميركا دولة منفلتة،‮ ‬لكننا لا نعيش في‮ ‬عالم تسوده شريعة الغاب‮. ‬فاين القانون الدولي‮ ‬ومواثيقه واعرافه،‮ ‬واين العالم فضلا عن اخواننا العرب؟ وانني‮ ‬لا استبعد ان بعض الحكومات العربية قصدوا بسكوتهم،‮ ‬الموافقة على العدوان على العراق‮.‬
‮»‬كنا نتوقع ان تقوم الولايات المتحدة بقصف العراق بالطائرات والصواريخ بعيدة المدى،‮ ‬وتضرب مواقع واهدافا محددة كما حصل عام‮ ‬1991،‮ ‬فضلاً‮ ‬عن انه لا‮ ‬يوجد اي‮ ‬مسوغ‮ ‬امام أميركا‮ ‬هذه المرة‮ ‬يجعل الدول العظمى واصدقاءنا واشقاءنا‮ ‬يوافقون مع اميركا ويقفون مكتوفي‮ ‬الايدي‮ ‬امام الغول الاميركي‮ ‬الهائج‮. ‬لكنني‮ ‬ما توقعت ان تقوم بغزو مسلح بجيوش المشاة والمارينز وغيرهم،‮ ‬وان حصل،‮ ‬فسيكون محدودا وليس بالكيفية التي‮ ‬حصلت‮. ‬وقد كنا قد تحسبنا لكل الاحتمالات،‮ ‬لكن وبإذن الله،‮ ‬سيتصدى لهم ابناء شعبنا‮ »‬وهاي‮ ‬مو جديدة علينا‮«‬،‮ ‬فقد تحمل العراق كل موجات الغزو من قبل هولاكو ومن بعده،‮ ‬وأنا‮ ‬واثق بأن ابناء شعبنا الشامخ سيكونون لهم بالمرصاد‮«.‬

0 التعليقات

إرسال تعليق